الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }

{ وَجَآءتْ } شروع فيما جرى على يوسف عليه السلام في الجب بعد الفراغ عن ذكر ما وقع بين إخوته وبين أبيه أي وجاءت إلى الجب { سَيَّارَةٌ } رفقة تسير من جهة مدين إلى مصر وكان ذلك بعد ثلاثة أيام مضت من زمن إلقائه في قول، وقيل: في اليوم الثاني، والظاهر أن الجب كان في طريق سيرهم المعتاد. وقيل: إنه كان في قفرة بعيدة من العمران فأخطأوا الطريق فأصابوه { فَأَرْسَلُواْ } إليه { وَارِدَهُمْ } الذي يريد الماء ويستقي لهم وكان ذلك مالك بن ذعر الخزاعي. وقال ابن عطية: الوارد هنا يمكن أن يقع على الواحد وعلى الجماعة اهـ والظاهر الأول، والتأنيث في { جَآءتِ } والتذكير في { أُرْسِلُواْ } و { وَارِدَهُمْ } باعتبار اللفظ والمعنى، وفي التعبير بالمجيء إيماء إلى كرامة يوسف عليه السلام عند ربه سبحانه، وحذف متعلقة وكذا متعلق الإرسال لظهوره ولذا حذف المتعلق في قوله سبحانه: { فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ } أي أرسلها إلى الجب ليخرج الماء، ويقال: دلا الدلو إذا أخرجها ملأى، والدلو من المؤنثات السماعية فتصغر على دلية وتجمع على أدل. ودلاء ودلي. وقال ابن الشحنة: إن الدلو التي يستقي بها مؤنثة وقد تذكر، وأما الدلو مصدر دلوت وضرب من السير فمذكر ومثلها في التذكير والتأنيث الجب عند الفراء على ما نقله عنه محمد بن الجهم، وعن بعضهم أنه مذكر لا غير وأما البئر مؤنثة فقط في المشهور، ويقال في تصغيرها: بويرة؛ وفي جمعها آبار وأبآر وأبؤر وبئار، وفي الكلام حذف أي فأدلى دلوه فتدلى بها يوسف فخرج.

{ قَالَ } استئناف مبني على سؤال يقتضيه الحال. { يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلَـٰمٌ } نادى البشرى بشارة لنفسه أو لقومه ورفقته كأنه نزلها منزلة شخص فناداه فهو استعارة مكنية وتخييلية أي يا بشرى تعالي فهذا أوان حضورك، وقيل: المنادى محذوف كما في ياليت أي يا قومي انظروا واسمعوا بشراي، وقيل: إن هذه الكلمة تستعمل للتبشير من غير قصد إلى النداء. وزعم بعضهم أن بشرى اسم صاحب له ناداه ليعينه على إخراجه، وروي هذا عن السدي ـ وليس بذاك ـ وقرأ غير الكوفيين ـ يا بشراي ـ بالإضافة، وأمال فتحة الراء حمزة والكسائي، وقرأ وريش بين اللفظين. وروي عن نافع أنه قرأ ـ يا بشراي ـ بسكون ياء الإضافة ويلزمه التقاء الساكنين على غير حدِّه، واعتذر بأنه أجري الوصل مجرى الوقف ونظائر ذلك كثيرة في القرآن وغيره، وقيل: جاز ذلك لأن الألف لمدها تقوم مقام الحركة، وقرأ أبو الطفيل والحسن وابن أبـي إسحاق والجحدري { يٰبُشْرَىٰ } بقلب الألف ياءً وإدغامها في ياء الاضافة وهي لغة لهذيل ولناس غيرهم ومن ذلك قول أبي ذؤيب:
سبقوا (هوي) وأعنقوا لهواهم   فتخرموا ولكل جنب مصرع

السابقالتالي
2