الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً } رد لقولهم:لَوْ شَاء رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلَـٰئِكَةً } [فصلت: 14] نفي له، وقيل: المراد نفي استنباء النساء ونسب ذلك إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وزعم/ بعضهم أن الآية نزلت في سجاح بنت المنذر المنبئة التي يقول فيها الشاعر:
أمست نبيتنا أنثى نطوف بها   ولم تزل أنبياء الله ذكرانا
فلعنة الله والاقوام كلهم   على سجاح ومن بالافك أغرانا
أعني مسيلمة الكذاب لا سقيت   اصداؤه ماء مزن أينما كانا
وهو مما لا صحة له لأن ادعاءها النبوة كان بعد النبـي صلى الله عليه وسلم وكونه اخباراً بالغيب لا قرينة عليه { نُّوحِى إِلَيْهِمْ } كما أوحينا إليك. وقرأ أكثر السبعة { يوحى } بالياء وفتح الحاء مبنياً للمفعول، وقراءة النون وهي قراءة حفص وطلحة وأبـي عبد الرحمن موافقة لأرسلنا { مّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } لأن أهلها كما قال ابن زيد وغيره: وهو مما لا شبهة فيه أعلم وأحلم من أهل البادية ولذا يقال لأهل البادية أهل الجفاء، وذكروا ان التبدي مكروه إلا في الفتن، وفي الحديث " من بدا جفا " قال قتادة: ما نعلم أن الله تعالى أرسل رسولاً قط إلا من أهل القرى، ونقل عن الحسن أنه قال: لم يبعث رسول من أهل البادية ولا من النساء ولا من الجن، وقوله تعالى:وَجَاء بِكُمْ مّنَ ٱلْبَدْوِ } [يوسف: 100] قد مر الكلام فيه آنفاً.

{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } من المكذبين بالرسل والآيات من قوم نوح وقوم لوط وقوم صالح وسائر من عذبه الله تعالى فيحذروا تكذيبك وروي هذا عن الحسن، وجوز أن يكون المراد عاقبة الذين من قبلهم من المشغوفين بالدنيا المتهالكين عليها فيقلعوا ويكفوا عن حبها وكأنه لاحظ المجوز ما سيذكر، والاستفهام على ما في " البحر " للتقريع والتوبيخ { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ } من إضافة الصفة إلى الموصوف عند الكوفية أي ولا الدار الآخرة وقدر البصري موصوفاً أي ولدار الحال أو الساعة أو الحياة الآخرة وهو المختار عند الكثير في مثل ذلك { خَيْرٌ لّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } الشرك والمعاصي: { أفَلا تَعْقِلُونَ } فتستعملوا عقولكم لتعرفوا خيرية دار الآخرة فتتوسلوا إليها بالاتقاء، قيل: إن هذا من مقولقُلْ } [يوسف: 108] أي قل لهم مخاطباً أفلا تعقلون فالخطاب على ظاهره، وقوله سبحانه: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ } إلى { مِن قَبْلِهِمُ } أو { ٱتَّقَوْاْ } اعتراض بين مقول القول، واستظهر بعضهم كون هذا التفاتاً. وقرأ جماعة { يَعْقِلُونَ } بالياء رعياً لقوله سبحانه: { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ }.