الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَٰمِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَٰذِبٌ وَٱرْتَقِبُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ }

{ وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } أي غاية تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم، وهو مصدر مكن يقال: مكن مكانة إذا تمكن أبلغ تمكن، والميم على هذا أصلية، وفي «البحر» يقال: المكان والمكانة مفعل ومفعلة / من الكون والميم حينئذٍ زائدة، وفسر ابن زيد المكانة بالحال يقال: على مكانتك يا فلان إذا أمرته أن يثبت على حاله كأنك قلت: اثبت على حالك التي أنت عليها لا تنحرف، وهو من استعارة العين للمعنى كما نص عليه غير واحد، وحاصل المعنى هٰهنا اثبتوا على ما أنتم عليه من الكفر والمشاقة لي وسائر ما لا خير فيه. وقرأ أبو بكر ـ مكاناتكم ـ على الجمع وهو باعتبار جمع المخاطبين كما أن الإفراد باعتبار الجنس، والجار والمجرور كما قال بعضهم: يحتمل أن يكون متعلقاً بما عنده على تضمين الفعل على معنى البناء ونحوه كما تقول: عمل على الجد وعلى القوة ونحوهما، وأن يكون في موضع الحال أي اعملوا قارين وثابتين على مكانتكم.

{ إِنّي عَـٰمِلٌ } على مكانتي حسبما يؤيدني الله تعالى ويوفقني بأنواع التأييد والتوفيق، وكأنه حذف على مكانتي للاختصار ولما فيه من زيادة الوعيد، وقوله سبحانه: { سَوْفَ تَعْلَمُونَ } استئناف وقع جواب سؤال مقدرنا شيء من تهديده عليه السلام إياهم بقوله: { ٱعْمَلُواْ } الخ كأن سائلاً منهم سأل فماذا يكون بعد ذلك؟ فقيل: { سَوْفَ تَعْلَمُونَ } ولذا سقطت الفاء وذكرت في آية الأنعام للتصريح بأن الوعيد ناشىء ومتفرع على إصرارهم على ما هم عليه والتمكن فيه، وما هنا أبلغ في التهويل للإشعار بأن ذلك مما يسئل عنه ويعتنى به، والسؤال المقدر يدل على ما دلت عليه الفاء مع ما في ذلك من تكثير المعنى بتقليل اللفظ، وكأن الداعي إلى الإتيان بالأبلغ هنا دون ما تقدم أن القوم قاتلهم الله تعالى بالغوا في الاستهانة به عليه السلام وبلغوا الغاية في ذلك فناسب أن يبالغ لهم في التهديد ويبلغ فيه الغاية وإن كانوا في عدم الانتفاع كالأنعام، وما فيها نحو ذلك.

وقال بعض أجلة الفضلاء: إن اختيار إحدى الطريقين ثمة والأخرى هنا وإن كان مثله لا يسئل عنه لأنه دوري لأن أول الذكرين يقتضي التصريح فيناسب في الثاني خلافه انتهى، وهو دون ما قلناه.

و { مِنْ } في قوله سبحانه: { مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } قيل: موصولة مفعول العلم وهو بمعنى العرفان، وجملة { يَأْتِيهِ عَذَابٌ } صلة الموصول، وجملة { يُخْزِيهِ } صفة { عَذَابِ } ووصفه بالإخزاء تعريضاً بما أوعدوه عليه السلام من الرجم فإنه مع كونه عذاباً فيه خزي ظاهر، وقوله تعالى: { وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ } عطف على { مَن يَأْتِيهِ } و { مِنْ } أيضاً موصولة، وجوز أن تكون { مِنْ } في الموضعين استفهامية، والعلم على بابه وهي معلقة له عن العمل.

السابقالتالي
2