الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ }

{ وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ } أي أتموهما، وفائدة التصريح بذلك مع أن الانتهاء المطلوب من النهي السابق لا يتحقق بدون الاتمام فيكون مطلوباً تبعاً، وهذا مسلم على المذاهب جعل النهي عن الشيء عين الأمر بالضد أو مستلزماً له تضمناً أو التزاماً لأن الخلاف في مقتضى اللفظ لا أن التحريم أو الوجوب ينفك عن مقابلة الضد غير واحدة النعي بما كانوا عليه من القبيح وهو النقص مبالغة في الكف، ثم الأمر بالصد مبالغة في الترغيب وإشعاراً بأنه مطلوب أصالة وتبعاً مع الأشعار بتبعية الكف عكساً، وتقييده بقوله سبحانه: { بِٱلْقِسْطِ } أي بالعدل من غير زيادة ولا نقصان. ثم إدماج أن المطلوب من الاتمام العدل، ولهذا قد يكون الفضل محرماً كما في الربويات، وإلى هذا يشير كلام الزمخشري. وظاهره حمل المكيال والميزان على ما يكال ويوزن، وحملهما بعضهم في الموضعين على الآلتين المعروفتين، وفسر القسط بما ذكرنا ثم قال: إن الزيادة في الكيل والوزن وإن كانت تفضلاً مندوباً إليه لكنها في الآلة محظورة كالنقص فلعل الزائد للاستعمال عن الاكتيال والناقص للاستعمال عند الكيل.

وفائدة الأمر بتسوية الآلتين وتعديلهما بعد النهي عن نقصهما المبالغة في الحمل على الإيفاء والمنع من البخس، والتنبيه على أنه لا يكفيهم مجرد الكف عن النقص والبخس بل يجب عليهم إصلاح ما أفسدوه وجعلوه معياراً / لظلمهم وقانوناً لعدوانهم، وفيه حمل اللفظ على المتبادر منه، فإن الحمل على المعنى الآخر مجاز كما أشرنا إليه، وادعى الفاضل الجلبـي أن هذا الأمر بعد النهي السابق ليس من باب التكرار في شيء، فقال: إن النهي قد كان عن نقص حجم المكيال وصنجات الميزان، والأمر بإيفاء المكيال والميزان حقهما بأن لا ينقص في الكيل والوزن، وهذا الأمر بعد مساواة المكيال والميزات للمعهود فلا تكرار كيف ولو كان تكريراً للتأكيد والمبالغة لم يكن موضع الواو لكمال الاتصال بين الجملتين انتهى.

وتعقب بأن حمل هذين اللفظين ـ وقد تكررا ـ في أحد الموضعين على أحد معنيين متغايرين خلاف الظاهر، وأن في التكرار من الفوائد ما جعله أقوى من التأسيس فلا ينبغي الهرب منه، وأما العطف فلأن اختلاف المقاصد في ذينك المتعاطفين جعلهما كالمتغايرين فحسن لذلك، وقد صرح به أهل المعاني في قوله سبحانه:يَسُومُونَكُمْ سُوۤء ٱلْعَذَابِ وَيُذَبّحُونَ أَبْنَآءكُمْ } [إبراهيم: 6] انتهى. وفي ورود ما تعقب به أولاً تأمل فتأمل.

وقوله تعالى: { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءهُمْ } يحتمل أن يكون تعميماً بعد تخصيص فإنه يشمل الجودة والرداءة وغير المكيل والموزون أيضاً فهو تذييل وتتميم لما تقدم، وكذا قوله سبحانه: { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلاْرْضِ مُفْسِدِينَ } فإن العثي يعم تنقيص الحقوق وغيره لأنه عبارة عن مطلق الفساد، وفعله من باب رمى وسعى ورضى، وجاء واوياً ويائياً، ويحتمل أن يكون نهياً عن بخس المكيل والموزون بعد النهي عن نقص المعيار والأمر بإيفائه أي لا تنقصوا الناس بسبب نقص المكيال والميزان وعدم اعتدالهما أشيآءهم التي يشترونها بهما، والتصريح بهذا النهي بعد ما علم في ضمن النهي، والأمرين السابقين للاهتمام بشأنه والترغيب في إيفاء الحقوق بعد الترهيب والزجر عن نقصها، وإلى كل من الاحتمالين ذهب بعض، وهو مبني على ما علمت من الاختلاف السابق في تفسير ما سبق.

السابقالتالي
2