الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ }

{ قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ } بضرر ولا مكروه فافتح الباب ودعنا وإياهم، ففتح الباب فدخلوا فاستأذن جبريل عليه السلام رب العزة في عقوبتهم فأذن له فلما دنوا طمس أعينهم فانطلقوا عمياً يركب بعضهم بعضاً وهم يقولون: النجاء النجاء فإن في بيت لوط قوماً سحرة، وفي رواية أنه عليه السلام أغلق الباب على ضيفه فجاؤوا فكسروا الباب فطمس جبريل أعينهم فقالوا: يا لوط جئتنا بسحرة وتوعدوه فأوجس في نفسه خيفة قال: يذهب هؤلاء ويذروني فعندها قال جبريل عليه السلام: { لاَ تَخَفْ إِنَّا رُسُلُ رَبّكَ }.

{ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ } بالقطع من الإسراء، وقرأ ابن كثير ونافع بالوصل حيث جاء في القرآن من السرى، وقد جاء سرى / وهما بمعنى واحد عند أبـي عبيدة والأزهري، وعن الليث أسرى سار أول الليل وسرى سار آخره، ولا يقال في النهار: إلا سار وليس هو مقلوب سرى. والفاء لترتيب الأمر بالإسراء على الإخبار برسالتهم المؤذنة بورود الأمر والنهي من جنابه عز وجل إليه عليه السلام، والباء للتعدية أو للملابسة أي سر ملابساً بأهلك { بِقِطْعٍ مّنَ ٱلَّيْلِ } قال ابن عباس: بطائفة منه، وقال قتادة: بعد مضي صدر منه، وقيل: نصفه، وفي رواية أخرى عن الحبر آخره وأنشد قول مالك بن كنانة:
ونائحة تقوم بقطع ليل   على رحل أهانته شعوب
وليس من باب الاستدلال، وإلى هذا ذهب محمد بن زياد لقوله سبحانه:نَّجَّيْنَـٰهُم بِسَحَرٍ } [القمر: 34] وتعقبه ابن عطية بأنه يحتمل أنه أسرى بأهله من أول الليل حتى جاوزوا البلد المقتلع، ووقعت نجاتهم بسحر، وأصل القطع القطعة من الشيء لكن قال ابن الأنباري: إن ذلك يختص بالليل فلا يقال: عندي قطع من الثوب. وفسر بعضهم القطع من الليل بطائفة من ظلمته، وعن الحبر أيضاً تفسيره بنفس السواد، ولعله من باب المساهلة.

{ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ } أي لا يتخلف كما روي عن ابن عباس، أو لا ينظر إلى ورائه كما روي عن قتادة، قيل: وهذا هو المعنى المشهور الحقيق للالتفات، وأما الأول فلأنه يقال: لفته عن الأمر إذا صرفته عنه فالتفت أي انصرف، والتخلف انصراف عن المسير، قال تعالى:أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } [يونس: 78] أي تصرفنا كذا قال الراغب. وفي «الأساس» أنه معنى مجازي، والنهي في اللفظ لأحد، وفي المعنى للوط عليه السلام على ما نقل عن المبرد، وهذا كما تقول لخادمك: لا يقم أحد في أن النهي في الظاهر لأحد، وهو في الحقيقة للخادم أن لا يدع أحداً يقوم، فالمعنى هنا فأسر بأهلك ولا تدع أحداً منهم يلتفت؛ ولا يخفى أنه على هذا تتم المناسبة بين المعطوف عليه والمعطوف لأن الأول لأمره عليه السلام والثاني لنهيه، ويعلم من هذا أن ضمير { مّنكُمْ } للأهل.

السابقالتالي
2 3 4 5