الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ }

{ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرٰهِيمَ ٱلرَّوْعُ } أي الخوف والفزع، قال الشاعر:
إذا أخذتها هزة (الروع) أمسكت   بمنكب مقدام على الهول أروعا
والفعل راع، ويتعدى بنفسه كما في قوله:
(ما راعني) إلا حمولة أهلها   وسط الديار تسف حب الخمخم
والروع بضم الراء النفس وهي محل الروع. والفاء لربط بعض أحوال إبراهيم عليه السلام ببعض غب انفصالها بما ليس بأجنبـي من كل وجه بل له مدخل في السياق والسباق، وتأخر الفاعل عن الظرف لكونه مصب الفائدة، والمعنى لما زال عنه ما كان أوجسه منهم من الخيفة وأطمأنت نفسه بالوقوف على جلية أمرهم { وَجَآءتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ يُجَـٰدِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ } أي يجادل رسلنا في حالهم وشأنهم، ففيه مجاز في الإسناد. وكانت مجادلته عليه السلام لهم ما قصه الله سبحانه في قوله سبحانه في سورة العنكبوت:وَلَمَّا جَآءتْ رُسُلُنَآ إِبْرٰهِيمَ بِٱلْبُشْرَىٰ قَالُواْ إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَـٰلِمِينَ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً } [العنكبوت: 31-32] فقوله عليه السلام: { إِنَّ فِيهَا لُوطاً } مجادلة وعد ذلك مجادلة لأن مآله على ما قيل: كيف تهلك قرية فيها من هو مؤمن غير مستحق للعذاب؟ ولذا أجابوه بقولهم:نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ } [العنكبوت: 32] وهذا القدر من القول هو المتيقن.

وعن حذيفة أنهم لما قالوا له عليه السلام ما قالوا، قال: أرأيتم إن كان فيها خمسون من المسلمين أتهلكونها؟ وقالوا: لا، قال: فثلاثون؟ قالوا: لا، قال: فعشرون، قالوا: لا، قال: فإن كان فيهم عشرة أو خمسة ـ شك الراوي ـ؟ قالوا: لا، قال: أرأيتم إن كان فيها رجل واحد من المسلمين أتهلكونها؟ قالوا: لا، فعند ذلك قال:إِنَّ فِيهَا لُوطاً } [العنكبوت: 32] فأجابوه بما أجابوه، وروي نحو ذلك عدة روايات الله تعالى أعلم بصحتها، وفسر بعضهم المجادلة بطلب الشفاعة، وقيل: هي سؤاله عن العذاب هل هو واقع بهم لا محالة أم على سبيل الإخافة ليرجعوا إلى الطاعة؟ وأياً مّا كان ـ فيجادلنا ـ جواب ـ لما ـ وكان الظاهر جادلنا إلا أنه عبر بالمضارع لحكاية الحال الماضية واستحضار صورتها، وقيل: إن ـ لما ـ كلو تقلب المضارع ماضياً كما أن ـ أن ـ تقلب الماضي مستقبلاً، وقيل: الجواب محذوف. وهذه الجملة في موضع الحال من فاعله أي أخذ أو أقبل مجادلا لنا، وآثر هذا الوجه الزجاج ولكنه جعله مع حكاية الحال وجهاً واحداً لأنه قال: ولم يذكر في الكلام أخذ لأن الكلام إذا أريد به حكاية حال ماضية قدر فيه أخذ وأقبل لأنك إذا قلت: قام زيد دل على فعل ماض، وإذا قلت: أخذ زيد يقوم دل على حال ممتدة من أجلها ذكر أخذ وأقبل، وصنيع الزمخشري يدل على أنهما وجهان، وتحقيقه على ما في «الكشف» أنه إذا أريد استمرار الماضي فهو كما ذكره الزجاج، وإن أريد التصوير المجرد فلا، وقيل: الجواب محذوف.

السابقالتالي
2 3