الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ }

{ وَلَقَدْ جآءتْ رُسُلُنَا إِبْرٰهِيمَ } وهم الملائكة؛ روي عن ابن عباس أنهم كانوا اثني عشر ملكاً. وقال السدي: أحد عشر على صورة الغلمان في غاية الحسن والبهجة، وحكى صاحب " الفينان " أنهم عشرة منهم جبريل، وقال الضحاك: تسعة، وقال محمد بن كعب: ثمانية، وحكى الماوردي أنهم أربعة ولم يسمهم. وجاء في رواية عن عثمان بن محيصن أنهم جبريل وإسرافيل وميكائيل ورفائيل عليهم السلام، وفي رواية عن ابن عباس وابن جبير أنهم ثلاثة الأولون فقط، وقال مقاتل: جبرائيل وميكائيل وملك الموت عليهم السلام، واختار بعضهم الاقتصار على القول بأنهم ثلاثة لأن ذلك أقل ما يدل عليه الجمع وليس هناك ما يعول عليه في الزائد وإنما أسند إليهم المجىء دون الإرسال لأنهم لم يكونوا مرسلين إليه عليه السلام بل إلى قوم لوط لقوله تعالى:إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } [هود: 70] وإنما جاءوه لداعية البشرى، قيل: ولما كان المقصود في السورة الكريمة ذكر صنيع الأمم السالفة مع الرسل المرسلة إليهم ولحوق العذاب بهم ولم يكن جميع قوم إبراهيم عليه السلام من لحق بهم العذاب بل إنما لحق بقوم لوط منهم خاصة غير الأسلوب المطرد فيما سبق من قوله تعالى:وَإِلَىٰ عَادٍ أَخُاهُمْ هُودًا } [هود:50 ]وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخُاهُمْ صَـٰلِحاً } [هود: 61] ثم رجع إليه حيث قيل:وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَـٰهُمْ شُعَيْباً } [هود: 84].

والباء في قوله تعالى: { بِٱلْبُشْرَىٰ } للملابسة أي ملتبسين بالبشرى، والمراد بها قيل: مطلق البشارة المنتظمة بالبشارة بالولد من سارة لقوله تعالى:فَبَشَّرْنَـٰهَا بِإِسْحَـٰقَ } [هود: 71] الآية، وقوله سبحانه:فَبَشَّرْنَـٰهُ بِغُلَـٰمٍ حَلِيمٍ } [الصافات: 101] إلى غير ذلك، وللبشارة بعدم لحوق الضرر به لقوله تعالى:فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرٰهِيمَ ٱلرَّوْعُ وَجَآءتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ } [هود: 74] لظهور تفرع المجادلة على مجيئها، وكانت البشارة الأولى على ما قيل: من ميكائيل والثانية من إسرافيل عليهما السلام، وقيل: المراد بها البشارة بهلاك قوم لوط عليه السلام فإن هلاك الظلمة من أجل ما يبشر به المؤمن. واعترض بأنه يأباه مجادلته عليه السلام في شأنهم، واستظهر الزمخشري أنها البشارة بالولد وهي المرادة بالبشرى فيما سيأتي، وسر تفرع المجادلة عليها سيذكر إن شاء الله تعالى، وعلل في «الكشف» استظهار ذلك بقوله: لأنه الأنسب بالإطلاق، ولقوله سبحانه في الذاريات [28]:وَبَشَّرُوهُ بِغُلَـٰمٍ عَلَيمٍ } ثم قال بعده:فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } [الذاريات: 31] ثم قال: وقوله تعالى:فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرٰهِيمَ } [هود: 74] الخ، وإن كان يحتمل أن ثمة بشارتين فيحمل في كل موضع على واحدة لكنه خلاف الظاهر انتهى.

ولما كان الإخبار بمجيء الرسل عليهم السلام مظنة لسؤال السامع بأنهم ما قالوا أجيب بأنهم { قَالُواْ سَلَـٰماً } أي سلمنا أو نسلم عليك سلاماً فهو منصوب بفعل محذوف، والجملة مقول القول قال ابن عطية: ((ويصح أن يكون مفعول { قَالُواْ } على أنه حكاية لمعنى ما قالوا لا حكاية للفظهم.

السابقالتالي
2