الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ }

{ قَالَ سَآوِيۤ } أي سأنضم { إِلَىٰ جَبَلٍ } من الجبال، وقيل: عنى طور زيتا { يَعْصِمُنِي } أي يحفظني بارتفاعه { مِنَ ٱلْمَآء } فلا يصل إلي، قال ذلك زعماً منه أن ذلك كسائر المياه في أزمنة السيول المعتادة التي ربما يتقى منها بالصعود إلى مرتفع، وجهلاً منه بأن ذلك إنما كان لإهلاك الكفرة فلا بد أن يدركهم ولو كانوا في قلل الجبال / { قَالَ } مبيناً له حقيقة الحال وصارفاً له عن ذلك الفكر المحال { لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } نفي لجنس العاصم المنتظم لنفي جميع أفراده ذاتاً وصفة للمبالغة في نفي كون الجبل عاصماً، وزاد { ٱلْيَوْمَ } للتنبيه على أنه ليس كسائر الأيام التي تقع فيها الوقائع وتلم فيها الملمات المعتادة التي ربما يتخلص منها بالالتجاء إلى بعض الأسباب العادية، وعبر عن الماء في محل إضماره بأمر الله أي عذابه الذي أشير إليه أولاً بقوله سبحانه:حَتَّىٰ إِذَا جَآء أَمْرُنَا } [هود: 40] تفخيماً لشأنه وتهويلاً لأمره وتنبيهاً لابنه على خطئه في تسميته ماءً وتوهمه أنه كسائر المياه التي يتخلص منها بالهرب إلى بعض المهارب المعهودة، وتعليلاً للنفي المذكور فإن أمر الله سبحانه لا يغالب وعذابه لا يرد، وتمهيداً لحصر العصمة في جناب الله تعالى عز جاره بالاستثناء كأنه قيل: لا عاصم من أمر الله تعالى إلا هو تعالى.

وإنما قيل: { إِلاَّ مَن رَّحِمَ } تفخيماً لشأنه الجليل جل شأنه وإشعاراً بعلية رحمته بموجب سبقها غضبه كل ذلك لكمال عنايته عليه السلام بتحقيق ما يتوخاه من نجاة ابنه ببيان شأن الداهية وقطع أطماعه الفارغة وصرف عنانه عن التعلل بما لا يغني عنه شيئاً وإرشاده إلى العياذ بالمعاذ الحق عز حماه، ولذا عدل عما يقتضيه الظاهر من الجواب بقوله: لا يعصمك الجبل منه كذا ذكره بعض المحققين وهو أحد أوجه في الآية وأقواها. والوجه الثاني: أن عاصماً صيغة نسبة، والمراد بالموصول المرحوم أي لا ذا عصمة أي معصوم إلا من رحمه الله تعالى، وأيد ذلك بأنه قرىء { إِلاَّ مَن رَّحِمَ } بالبناء للمفعول، واعترضه في «الكشف» بأن فاعلاً بمعنى النسبة قليل، وأجيب بأنه إن أراد قلته في نفسه فممنوع وإن بالنسبة إلى الوصف فلا يضر. والثالث: أن ـ عاصماً ـ على ظاهره، و { مَن رَّحِمَ } بمعنى المرحوم والاستثناء منقطع لا متصل كما في الوجهين الأولين أي لا عاصم من أمر الله لكن من رحمه الله تعالى فهو معصوم، وأورد عليه بأن مثل هذا المنقطع قليل لأنه في الحقيقة جملة منقطعة تخالف الأولى لا في النفي والإثبات فقط بل في الاسمية والفعلية أيضاً، والأكثر فيه مثل ما جاءني القوم إلا حماراً، والرابع: أن عاصماً بمعنى معصوم كدافق بمعنى مدفوق وفاتن بمعنى مفتون في قوله:

السابقالتالي
2