الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }

{ حَتَّىٰ إِذَا جَآء أَمْرُنَا } غاية لقوله سبحانه:يَصْنَعُ ٱلْفُلْكِ } [هود: 38] و { حَتَّىٰ } إما جارة متعلقة به، و { إِذَا } لمجرد الظرفية، وإما ابتدائية داخلة على الشرط وجوابه، والجملة لا محل لها من الإعراب، وحال ما وقع في البين قد مرت الإشارة إليه، والأمر إما واحد الأوامر أي الأمر بركوب السفينة أو بالفوران أو للسحاب بالارسال أو للملائكة عليهم السلام بالتصرف فيما يراد أو نحو ذلك، وإما واحد الأمور وهو الشأن أعني نزول العذاب بهم { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } أي نبع منه الماء وارتفع بشدة كما تفور القدر بغليانها وفيه من الاستعارة ما لا يخفى. والمراد من التنور تنور الخبز عند الجمهور، وكان على ما روي عن الحسن ومجاهد تنوراً لحواء تخبز فيه ثم صار لنوح عليه السلام وكان من حجارة، وقيل: هو تنور في الكوفة في موضع مسجدها عن يمين الداخل مما يلي باب كندة، وجاء ذلك في رواية عن علي كرم الله تعالى وجهه، وقيل: تنور بالهند، وقيل: بعين وردة من أرض الجزيرة العمرية أو من أرض الشام، وقيل: ليس المراد به تنوراً معيناً بل الجنس، والمراد فار الماء من التنانير، وفي ذلك من عجيب القدرة ما لا يخفى. ولا تنافي بين هذا وقوله سبحانه:وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً } [القمر: 12] إذ يمكن أن يكون التفجير غير الفوران فحصل الفوران للتنور والتفجير للأرض، أو يراد بالأرض أماكن التنانير، ووزنه تفعول من النور، وأصله تنوور فقلبت الواو الأولى همزة لانضمامها، ثم حذفت تخفيفاً، ثم شددت النون عوضاً عما حذف، ونقل هذا عن ثعلب، وقال أبو علي الفارسي: وزنه فعُّول، وقيل: على هذا أنه أعجمي ولا اشتقاق له، ومادته تنر، وليس في كلام العرب نون قبل راء، ونرجس معرب أيضاً، والمشهور أنه مما اتفق فيه لغة العرب والعجم كالصابون والسمور. وعن ابن عباس وعكرمة والزهري أن { ٱلتَّنُّورُ } وجه الأرض هنا، وعن قتادة أنه أشرف موضع منها أي أعلاه وأرفعه، وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وغيرهما عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه تنوير الصبح، والظاهر أنه لم يستعمل في اللغة العجمية بهذه المعاني الأخيرة، وجوز أن يكون فوران التنور مجازاً عن ظهور العذاب وشدة الهول، وهذا كما جاء في الخبر «حمى الوطيس» مجازاً عن شدة الحرب وليس بين الجملتين كثير فرق في المعنى وهو معنى حسن لكنه بعيد عما جاءت به الأخبار.

{ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا } أي في الفلك، وأنث الضمير لأنه بمعنى السفينة، والجملة استئناف أو جواب { إذا } { مِن كُلّ } أي من كل نوع من الحيوانات ينتفع به الذين ينجون من الغرق وذراريهم بعد، ولم تكن العادة جارية بخلقه من غير ذكر وأنثى، / والجار والمجرور متعلق ـ باحمل ـ أو بمحذوف وقع حالا من مفعوله أعني قوله سبحانه: { زَوْجَيْنِ } وهو تثنية زوج، والمراد به الواحد المزدوج بآخر من جنسه، فالذكر زوج للأنثى كما هي زوج له، وقد يطلق على مجموعهما، وليس بمراد، وإلا لزم أن يحمل من كل صنف أربعة، ولئلا يراد ذلك وصف بقوله تعالى: { ٱثْنَيْنِ } وحاصل المعنى احمل ذكراً وأنثى من كل نوع من الحيوانات.

السابقالتالي
2 3 4 5