الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ }

{ وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ } حكاية حال ماضية لاستحضار صورتها العجيبة. وقيل: تقديره وأخذ أو أقبل يصنع الفلك. وكانت على ما روي عن قتادة وعكرمة والكلبـي من خشب الساج وقد غرسه بنفسه ولم يقطعه حتى صار طوله أربعمائة ذراع والذراع إلى المنكب في أربعين سنة على ما روي عن سلمان الفارسي، وقيل: أبقاه عشرين سنة، وقيل: مكث مائة سنة يغرس ويقطع وييبس، وقال عمرو بن الحرث: لم يغرسه بل قطعه من جبل لبنان. وعن ابن عباس أنها كانت من خشب الشمشاد وقطعه من جبل لبنان، وقيل: إنه ورد في التوراة أنها كانت من الصنوبر، وروي أنه كان سام وحام ويافث ينحتون معه، وفي رواية أنه عليه السلام كان معه أيضاً أناس استأجرهم ينحتون، وذكر أن طولها ثلثمائة ذراع وعرضها خمسون وارتفاعها في السماء ثلاثون. وأخرج ابن جرير وغيره عن الحسن قال: كان طولها ألف ذراع ومائتي وعرضها ستمائة ذراع وصنع لها باباً في وسطها، وأتم صنعها على ما روي عن مجاهد في ثلاث سنين. وعن كعب الأحبار في أربعين سنة، وقيل: في ستين، وقيل: في مائة سنة، وقيل: في أربعمائة سنة. واختلف في أنه في أي موضع صنعها، فقيل: في الكوفة، وقيل: في الهند، وقيل: في أرض الجزيرة، وقيل: فى أرض الشام، وسفينة الأخبار في تحقيق الحال فيما أرى لا تصلح للركوب فيها إذ هي غير سالمة عن عيب، فالحرى بحال من لا يميل إلى الفضول أن يؤمن بأنه عليه السلام صنع الفلك حسبما قص الله تعالى في كتابه ولا يخوض في مقدار طولها وعرضها وارتفاعها ومن أي خشب صنعها وبكم مدة أتم علمها إلى غير ذلك مما لم يشرحه الكتاب ولم تبينه السنة الصحيحة.

وهذا وفي التعبير ـ بيصنع ـ على ما قيل: ملاءمة للاستمرار المفهوم من الجملة الواقعة حالاً من ضميره أعني قوله تعالى: { وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ } أي استهزأوا به لعمله السفينة إما لأنهم ما كانوا يعرفونها ولا كيفية استعمالها فتعجبوا من ذلك وسخروا منه، ويشهد لعدم معرفتهم ما روي عن ابن عباس أنه عليه السلام حين قال الله تعالى له:ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ } [هود: 37] قال: يا رب وما الفلك؟ قال: بيت من خشب يجري على وجه الماء قال يا رب: وأين الماء؟ قال: إني على ما أشاء قدير، وإما لأنه عليه السلام كان يصنعها في برية بعيدة عن الماء وكانوا يتضاحكون، ويقولون: يا نوح صرت نجاراً بعد ما كنت نبياً، وهذا مبني على أن السفينة كانت معروفة بينهم، ويشهد له ما أخرجه ابن جرير والحاكم وصححه ـ وضعفه الذهبـي ـ عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3