الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

{ وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي } النصح تحري قول أو فعل فيه صلاح وهو كلمة جامعة، وقيل: هو إعلام مواقع الغي ليتقى ومواضع الرشد ليقتفى، وهو من قولهم: نصحت له الود أي أخلصته، / وناصح العسل خالصه، أو من قولهم نصحت الجلد خطته، والناصح الخياط، والنصاح الخيط، وقرأ عيسى ابن عمر الثقفي { نصحي } بفتح النون وهو مصدر، وعلى قراءة الجماعة ـ على ما قال أبو حيان ـ يحتمل أن يكون مصدراً كالشكر، وأن يكون اسماً { إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ } شرط حذف جوابه لدلالة ما سبق عليه وليس جواباً له لامتناع تقدم الجواب على الشرط على الأصح الذي ذهب إليه البصريون أي إن أردتم أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي، والجملة كلها دليل جواب قوله سبحانه: { إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ } والتقدير إن كان الله يريد أن يغويكم فإن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي، وجعلوا الآية من باب اعتراض الشرط على الشرط، وفي «شرح التسهيل» لابن عقيل أنه إذا توالى شرطان مثلاً كقولك: إن جئتني إن وعدتك أحسنت إليك، فالجواب للأول، واستغنى به عن جواب الثاني، وزعم ابن مالك أن الشرط للثاني مقيد للأول بمنزلة الحال، فكأنه قيل في المثال: إني جئتني في حال وعدي لك أحسنت إليك، والصحيح في المسألة أن الجواب للأول، وجواب الثاني محذوف لدلالة الشرط الثاني وجوابه عليه، فإذا قلت: إن دخلت الدار إن كلمت زيداً إن جاء إليك فأنت حر، فأنت حر جواب إن دخلت وهو وجوابه دليل جواب إن كلمت وإن كلمت وجوابه دليل جواب إن جاء، والدليل على الجواب جواب في المعنى، والجواب متأخر، فالشرط الثالث مقدم وكذا الثاني، فكأنه قيل إن جاء فإن كلمت فإن دخلت فأنت حر فلا يعتق إلا إذا وقع هكذا مجىء ثم كلام ثم دخول، وهو مذهب الشافعي عليه الرحمة، وذكر الجصاص أن فيها خلافاً بين محمد وأبـي يوسف رحمهما الله تعالى، وليس مذهب الإمام الشافعي فقط. وقال بعض الفقهاء: إن الجواب للأخير. والشرط الأخير وجوابه جواب الثاني، والشرط الثاني وجوابه جواب الأول، وعلى هذا لا يعتق حتى يوجد هكذا دخول ثم كلام ثم مجىء. وقال بعضهم: إذا اجتمعت حصل العتق من غير ترتيب وهذا إذا كان التوالي بلا عاطف فإن عطف بأو فالجواب لهما وإن كان بالفاء فالجواب للثاني وهو وجوابه جواب الأول فتخرج الفاء عن العطف. وادعى ابن هشام أن في كون الآية من ذلك الباب نظراً قال: إذ لم يتوال شرطان وبعدهما جواب كما فيما سمعت من الأمثلة، وكما في قول الشاعر
إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا   منا معاقل عز زانها كرم

السابقالتالي
2 3