الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ }

{ وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } عطف علىأَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } [هود: 2] سواء كان نهياً أو نفياً وفي { أن } الاحتمالان السابقان وقد علمت أن الحق أن أن المصدرية توصل بالأمر والنهي كما توصل بغيرهما، وفي توسيط جملةإِنِّي لَكُمْ } [هود: 2] الخ بين المتعاطفين ما لا يخفى من الإشارة إلى علو شأن التوحيد ورفعة قدر النبـي صلى الله عليه وسلم، وقد روعي في تقديم الانذار على التبشير ما روعي في الخطاب من تقديم النفي على الإثبات والتخلية على التحلية لتتجاوب الأطراف، والتعرض لوصف الربوبية تلقين للمخاطبين وإرشاد لهم إلى طريق الابتهال في السؤال وترشيح لما يذكر من التمتيع وإيتاء الفضل.

وقوله سبحانه: { ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ } عطف على { ٱسْتَغْفِرُواْ } واختلف في توجيه توسيط { ثُمَّ } بينهما مع أن الاستغفار بمعنى التوبة في العرف فقال الجبائي: إن المراد بالاستغفار هنا التوبة عما وقع من الذنوب وبالتوبة الاستغفار عما يقع منها بعد وقوعه أي استغفروا ربكم من ذنوبكم التي فعلتموها ثم توبوا إليه من ذنوب تفعلونها، فكلمة { ثُمَّ } على ظاهرها من التراخي في الزمان، وقال الفراء: إن { ثُمَّ } بمعنى الواو كما في قوله:
بهز كهز الرديني   جرى في الأنابيب ثم اضطرب
والعطف تفسيري، وقيل: لا نسلم أن الاستغفار هو التوبة بل هو ترك المعصية والتوبة هي الرجوع إلى الطاعة ولئن سلم أنهما بمعنى ـ فثم ـ للتراخي في الرتبة، والمراد بالتوبة الإخلاص فيها والاستمرار عليها وإلى هذا ذهب «صاحب الفرائد». وقال بعض المحققين: الاستغفار هو التوبة إلا أن المراد بالتوبة في جانب المعطوف التوصل إلى المطلوب مجازاً من إطلاق السبب على المسبب، و { ثُمَّ } على ظاهرها وهي قرينة على ذلك. وأنت تعلم أن أصل معنى الاستغفار طلب الغفر أي الستر ومعنى التوبة الرجوع، ويطلق الأول على طلب ستر الذنب من الله تعالى والعفو عنه والثاني على الندم عليه مع العزم على عدم العود فلا اتحاد بينهما بل ولا تلازم عقلاً، لكن اشترط شرعاً لصحة ذلك الطلب وقبوله الندم على الذنب مع العزم على عدم العود إليه، وجاء أيضاً استعمال الأول في الثاني، والاحتياج إلى توجيه العطف على هذا ظاهر، وأما على ذاك فلأن الظاهر أن المراد من الاستغفار المأمور به الاستغفار المسبوق بالتوبة بمعنى الندم فكأنه قيل: استغفروا ربكم بعد التوبة ثم توبوا إليه ولا شبهة في ظهور احتياجه إلى التوجيه حينئذ، والقلب يميل فيه إلى حمل الأمر الثاني على الإخلاص في التوبة والاستمرار عليها، والتراخي عليه يجوز أن يكون رتبياً وأن يكون زمانياً كما لا يخفى.

{ يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا } مجزوم بالطلب، ونصب { مَّتَـٰعًا } على أنه مفعول مطلق من غير لفظه كقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3