الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى المذكورين باعتبار استمرارهم على إرادة الحياة الدنيا، أو باعتبار توفيتهم أجورهم فيها من غير بخس، أو باعتبارهما معاً، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في سوء الحال { ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ } لأن هممهم كانت مصروفة إلى اقتناص الدنيا وأعمالهم كانت ممدودة ومقصورة على تحصيلها؛ وقد ظفروا بما يترتب على ذلك ولم يريدوا به شيئاً آخر فلا جرم لم يكن لهم في الآخرة إلا النار وعذابها المخلد.

{ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا } أي في الآخرة كما هو الظاهر، فالجار متعلق ـ بحبط ـ و { مَا } تحتمل المصدرية والموصولية أي ظهر في الآخرة حبوط صنعهم، أو الذي صنعوه من الأعمال التي كانت تؤدي إلى الثواب الأخروي لو كانت معمولة للآخرة، ويجوز أن يعود الضمير إلى الدنيا فيكون الجار متعلقاً بصنعوا ـ و { مَا } على حالها، والمراد بحبوط الأعمال عدم مجازاتهم عليها لفقد الاعتداد بها لعدم الإخلاص الذي هو شرط ذلك، وقيل: لجزائهم عليها في الدنيا.

{ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } قال أبو حيان: هو تأكيد لقوله سبحانه: { حَبِطَ } الخ، والظاهر أنه حمل { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } على معنى { مَا صَنَعُواْ } والبطلان على عدم النفع وهو راجع إلى معنى الحبوط. ولما رأى بعضهم أن التأسيس أولى من التأكيد أبقى ما يعملون على ذلك المعنى، وحمل بطلان ذلك على فساده في نفسه لعدم شرط الصحة، وقال: كأن كلاً من الجملتين علة لما قبلها على معنى ليس لهم في الآخرة إلا النار لحبوط أعمالهم وعدم ترتب الثواب عليها لبطلانها وكونها ليست على ما ينبغي، والأولى ما صنعه المولى / أبو السعود عليه الرحمة حيث حمل البطلان على الفساد في نفسه، و { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } على أعمالهم في أثناء تحصيل المطالب الدنيوية، ثم قال: ولأجل أن الأول من شأنه استتباع الثواب والأجر وأن عدمه لعدم مقارنته للإيمان والنية الصحيحة، وأن الثاني ليس له جهة صالحة قط علق بالأول الحبوط المؤذن بسقوط أجره بصيغة الفعل المنبـىء عن الحدوث، وبالثاني البطلان المفصح عن كونه بحيث لا طائل تحته أصلاً بالاسمية الدالة على كون ذلك وصفاً لازماً له ثابتاً فيه، وفي زيادة ـ كان ـ في الثاني دون الأول إيماءً إلى أن صدور أعمال البر منهم وإن كان لغرض فاسد ليس في الاستمرار والدوام كصدور الأعمال التي هي مقدمات مطالبهم الدنيئة انتهى.

ويحتمل عندي على بعد أن يراد ـ بما كانوا يعملون ـ هو ما استمروا عليه من إرادة الحياة الدنيا وهو غير ما صنعوه من الأعمال التي نسب إليها الحبوط وإطلاق مثل ذلك على الإرادة مما لا بأس به لأنها من أعمال القلب، ووجه الإتيان ـ بكان ـ فيه موافقته لما أشار هو إليه، وفي الجملة تصريح باستمرار بطلان تلك الإرادة وشرح حالها بعد شرح حال المريد وشرح أعماله أراد بها الحياة الدنيا وزينتها، وأياً مّا كان فالظاهر أن { بَاطِل } خبر مقدم و { مَا كَانُواْ } هو المبتدأ، وجوز في «البحر» كون { بَاطِل } خبراً بعد خبر، و { مَا } مرتفعة به على الفاعلية.

السابقالتالي
2 3 4