الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ وَأَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ }

{ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } الخطاب ـ على ما روي عن الضحاك ـ للمأمورين بدعاء من استطاعوا، وضمير الجمع الغائب عائد إلى { من } أي فإن لم يستجب لكم من تدعونه من دون الله تعالى إلى الإسعاد والمظاهرة على المعارضة لعلمهم بالعجز عنه وأن طاقتهم أقصر من أن تبلغه { فَٱعْلَمُواْ أَنَّمَآ أُنزِلِ بِعِلْمِ ٱللَّهِ } أي ما أنزل إلا ملتبساً بعلمه تعالى لا بعلم غيره على ما تقتضيه كلمة { إِنَّمَا } فإنها تفيد الحصر كالمكسورة على الصحيح، قيل: وهو معنى قول من قال: أي ملتبساً بما لا يعلمه إلا الله تعالى ولا يقدر عليه سواه.

وادعى بعضهم أن الحصر إنما أفادته الإضافة كما في قوله تعالى:لا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً } [الجن: 26] والمراد بما / لا يعلمه غيره تعالى الكيفيات والمزايا التي بها الإعجاز والتحدي، وذكر عدم قدرة غيره سبحانه مما يقتضيه السياق وإلا فالمذكور في النظم الكريم العلم دون القدرة، وقيل: ذاك لأن نفي العلم بالشيء يستلزم نفي القدرة لأنه لا يقدر أحد على ما لا يعلم، والجملة الشرطية داخلة في حيز القول. وإيراد كلمة الشك مع الجزم بعدم الاستجابة من جهة من يدعونه تهكم بهم وتسجيل عليهم بكمال سخافة العقل، وترتيب الأمر بالعلم على مجرد عدم الاستجابة من حيث أنه مسبوق بالدعاء المسبوق بتعجيزهم واضطرارهم فكأنه قيل: فإن لم يستجيبوا لكم عند التجائكم إليهم بعد ما اضطررتم إلى ذلك وضاعت عليكم الحيل وعيت بكم العلل فاعلموا الخ أو من حيث أن من يدعونهم إلى المعارضة أقوى منهم في اعتقادهم فإذا ظهر عجزهم بعدم استجابتهم وإن كان ذلك قبل ظهور عجز أنفسكم يكون عجزهم أظهر وأوضح. وبمجموع ما ذكرنا يظهر أن لا إشكال في الآية.

ومما يقضي منه العجب قول العز بن عبد السلام في «أماليه»: إن ترتيب هذا المشروط يعني العلم على ذلك الشرط يعني عدم الاستجابة مشكل، وكذا قوله سبحانه: { أُنزِلِ بِعِلْمِ ٱللَّهِ } مشكل أيضاً إذ لا تصلح الباء للسببية إذ ليس العلم سبباً في إنزاله ولا للمصاحبة إذ العلم لا يصحبه في إنزاله، وأن الجواب أنه ليس المراد بالعلم إلا علمنا نحن، وأضيف إليه عز وجل لأنه مخلوق له تعالى، ونظير ذلك ما في قوله جل وعلا:وَلاَ نَكْتُمُ شَهَـٰدَةَ ٱللَّهِ } [المائدة: 106] حيث أضيفت الشهادة إلى الله سبحانه باعتبار أنه تعالى شرعها، والقرآن قد نزل بأدلة العلم بأحكام الله تبارك اسمه، فعبر بالمدلول عن الدليل، والتقدير { فَٱعْلَمُواْ أَنَّمَآ أُنزِلِ } مصحوباً بانتشار علم الأحكام، وهي الأدلة، ولا شك أنه يناسب إذا عجزوا عن معارضته أن يعلموا أن هذه الآيات أدلة أحكام الله تعالى انتهى، وليت شعري كيف غفل هذا العالم الماهر عن ذلك التفسير الظاهر، ولعله كما قيل: من شدة الظهور الخفاء.

السابقالتالي
2 3