الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَٰتٍ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

{ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } إضراب بأم المنقطعة عن ذكر ترك اعتدادهم بِـمَا يُوحَىٰ } [هود: 12] وعدم اكتفائهم بما فيه من المعجزات الظاهرة الدالة على صدق الدعوى، وشروع في ذكر ارتكابهم لما هو أشد منه وأعظم، وتقدر ببل والهمزة الإنكارية أي بل أيقولون، وذهب ابن القشيري إلى أن { أَمْ } متصلة، والتقدير أيكتفون بما أوحينا إليك أم يقولون إنه ليس من عند الله، والأول أظهر، وأياً مّا كان فالضمير البارز في { ٱفْتَرَاهُ } لِ { مَا يُوحَىٰ }.

{ قُلْ } إن كان الأمر كما تقولون { فَأْتُواْ } أنتم أيضاً { بِعَشْرِ سُوَرٍ مّثْلِهِ } في البلاغة وحسن النظم وهو نعت ـ لسور ـ وكان الظاهر مطابقته لها في الجمع لكنه أفرد باعتبار مماثلة كل واحدة منها إذ هو المقصود لا مماثلة المجموع، وقيل: مثل وإن كان مفرداً يجوز فيه المطابقة وعدمها فيوصف به الواحد وغيره نظراً إلى أنه مصدر في الأصل كقوله تعالى:أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا } [المؤمنون: 47] وقد يطابق كقوله سبحانه:ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم } [محمد: 38]، وقيل: إنه هنا صفة لمفرد مقدر أي قدر عشر سور مثله، وقيل: إنه وصف لمجموع العشر لأنها كلام وشيء واحد، وأيضاً ـ عشر ـ ليس بصيغة جمع فيعطى حكم المفرد ـ كـنَخْلٍ مُنْقَعِر } [القمر:20].

وقوله سبحانه: { مُفْتَرَيَـٰت } نعت آخر ـ لسور ـ قيل: أخر عن نعتها بالمماثلة لـِمَا يُوحَىٰ } [هود: 12] لأنه النعت المقصود بالتكليف إذ به قعودهم على العجز عن المعارضة، وأما نعت الافتراء فلا يتعلق به غرض يدور عليه شيء في مقام التحدي، وإنما ذكر على نهج المساهلة وإرخاء العنان ولأنه لو عكس الترتيب لربما توهم أن المراد هو المماثلة له في الافتراء، والمعنى فأتوا بعشر سور مماثلة له في البلاغة مختلقات من عند أنفسكم إن صح أني اختلقته من عند نفسي فإنكم عرب فصحاء بلغاء ومبادي ذلك فيكم من ممارسة الخطب والأشعار ومزاولة أساليب النظم والنثر وحفظ الوقائع والأيام أتم.

والكثير على أن هذا التحدي وقع أولاً فلما عجزوا تحداهم { بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ } كما نطقت به سورة البقرة[23] ويونس[38]، وهو وإن تأخر تلاوة متقدم نزولاً وأنه لا يجوز العكس إذ لا معنى للتحدري بعشر لمن عجز عن التحدي بواحدة وأنه ليس المراد تعجيزهم عن الإتيان بعشر سور مماثلات لعشر معينة من القرآن. وروي عن ابن عباس أن المراد ذلك، وجعل العشر ما تقدم من السور إلى هنا، واعترضه أبو حيان ((بأن أكثر ما ذكر مدني وهذه السورة حسبما علمت مكية فكيف تصح الحوالة بمكة على ما لم ينزل بعد، ثم قال: ولعل هذا لا يصح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما))، وذهب ابن عطية إلى أن هذا التحدي إنما وقع بعد التحدي بسورة، وروي هذا عن المبرد وأنكر تقدم نزول هذه السورة على نزول تينك السورتين وقال: بل نزلت سورة يونس أولاً ثم نزلت سورة هود.

السابقالتالي
2