الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ }

{ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ } أي المكتوبة، ومعنى إقامتها أداؤها على تمامها وقيل: المداومة عليها، وقيل: فعلها في أول وقتها { طَرَفَي ٱلنَّهَارِ } أي أوله وآخره وانتصابه على الظرفية ـ لأقم ـ ويضعف كونه ظرفاً للصلاة ووجه انتصابه على ذلك إضافته إلى الظرف { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ } أي ساعات منه قريبة من النهار فإنه من أزلفه إذا قربه. وقال الليث: هي طائفة من أول الليل، وكذا قال ثعلب، وقال أبو عبيدة والأخفش وابن قتيبة: هي مطلق ساعات وآناؤه وكل ساعة زلفة، وأنشدوا للعجاج:
ناج طواه الأين مما وجفا   طي الليالي زلفا فزلفا
سماوة الهلال حتى احقوقفا   
وهو عطف على { طَرَفَي ٱلنَّهَارِ } ، و { مِّنَ ٱلَّيْلِ } في موضع الصفة له. والمراد بصلاة الطرفين قيل: صلاة الصبح والعصر، وروي ذلك عن الحسن وقتادة والضحاك، واستظهر ذلك أبو حيان بناءً على أن طرف الشيء يقتضي يكون من الشيء، والتزم أن أول النهار من الفجر، وقد يطلق طرف الشيء على الملاصق لأوله وآخره مجازاً فيمكن اعتبار النهار من طلوع الشمس مع صحة ما ذكروه في صلاة الطرف الأول بجعل التثنية هنا مثلها في قولهم: القلم أحد اللسانين إلا أنه قيل بشذوذ ذلك.

وروي عن ابن عباس ـ واختاره الطبري ـ أن المراذ صلاة الصبح والمغرب فإن كان النهار من أول الفجر إلى غروب الشمس فالمغرب طرف مجازاً وهو حقيقة طرف الليل، وإن كان من طلوع الشمس إلى غروبها فالصبح كالمغرب طرف مجازي، وقال مجاهد ومحمد بن كعب القرظي: الطرف الأول الصبح والثاني الظهر والعصر، واختار ذلك ابن عطية، وأنت تعلم أن في جعل الظهر من الطرف الثاني خفاء وإنما الظهر نصف النهار والنصف لا يسمى طرفاً إلى بمجاز بعيد، والمراد بصلاة الزلف عند الأكثر صلاة المغرب والعشاء. وروى الحسن في ذلك خبراً مرفوعاً، وعن ابن عباس أنه فسر صلاة الزلف بصلاة العتمة وهي ثلث الليل الأول بعد غيبوبة الشفق وقد تطلق على وقت صلاة العشاء الآخرة، وأغرب من قال: صلاة الطرفين صلاة الظهر والعصر، وصلاة الزلف صلاة المغرب والعشاء والصبح، وقيل: معنى (زلفاً) قرباً، وحقه على هذا ـ كما في «الكشاف» ـ أن يعطف على (الصلاة) أي أقم الصلاة طرفي النهار وأقم زلفا من الليل أي صلوات تتقرب بها إلى الله عز وجل انتهى. قيل: والمراد بها على هذا صلاة العشاء والتهجد وقد كان واجباً عليه عليه الصلاة والسلام، أو العشاء. والوتر على ما ذهب إليه أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه، أو المجموع كما يقتضيه ظاهر الجمع، وقد تفسر بصلاة المغرب والعشاء ـ واختاره البعض ـ وقد جاء إطلاق الجمع على الاثنين فلا حاجة إلى التزام أن ذلك باعتبار أن كل ركعة قربة فتحقق قرب الثلاث فيما ذكر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6