الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }

{ خَـٰلِدِينَ فِيهَا } خلا أنه إن أريد حدوث كونهم في النار فالحال مقدرة { مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي مدة دوامهما، وهذا عبارة عن التأبيد ونفي الانقطاع على منهاج قول العرب: لا أفعل كذا ما لاح كوكب وما أضاء الفجر وما اختلف الليل والنهار وما بل بحر صوفة وما تغنت حمامة إلى غير ذلك من كلمات التأبيد عندهم لا تعليق قرارهم فيها بدوام هذه السماوات والأرض، فإن النصوص القاطعة دالة على تأبيد قرارهم فيها وانقطاع دوامهما، وروي هذا عن ابن جرير. وجوز أن يحمل ذلك على التعليق والمراد بالسماوات والأرض سماوات الآخرة وأرضها، وهي دائمة للأبد، قال الزمخشري: والدليل على أن لها سماوات وأرضاً قوله سبحانه:يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } [إبراهيم: 48] وقوله سبحانه:وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآء } [الزمر: 74] ولأنه لا بد لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلهم إما سماء يخلقها الله تعالى أو يظلهم العرش، وكل ما أظلك فهو سماء انتهى.

قال القاضي: وفيه نظر لأنه تشبيه بما لا يعرف أكثر الخلق وجوده ودوامه ومن عرفه فإنما عرفه بما يدل على دوام الثواب والعقاب فلا يجدي له التشبيه. وأجاب عنه صاحب «الكشف» بأنه إذا أريد ما يظلهم وما يقلهم فهو ظاهر السقوط لأن هذا القدر معلوم الوجود لكل عاقل وأما الدوام فليس مستفاداً من دليل دوام الثواب والعقاب بل مما يدل على دوام الجنة والنار سواء عرف أنهما دار الثواب والعقاب وأن أهلهما السعداء والأشقياء من الناس أولاً على أنه ليس من تشبيه ما يعرف بما لا يعرف بل العكس انتهى.

وتعقبه الجلبـي بأن قوله: لكل عاقل غير صحيح فانه لا يعترف بذلك إلا المؤمنون بالآخرة، وقوله الدوام مستفاد مما يدل على دوام الجنة والنار لا يدفع ما ذكره القاضي لأنه يريد أن المشبه به ليس أعرف من المشبه لا عند المتدين لأنه يعرف كليهما من قبل الأنبياء عليهما السلام وليس فيه ما يوجب أعرفية دوام سماوات الآخرة وأرضها وليس مراده أن دوامهما مستفاد من خصوص الدليل الدال على الثواب والعقاب بعينه فإنه لا يهمه ليمنع ولا عند غير المتدين فانه لا يعترف به ولا بها ولا يعرفه، وقوله: على أنه ليس من تشبيه الخ مبني على أنه تشبيه تلك الدار بهذه الدار وليس بذلك، وإنما المراد التشبيه الضمني لدوامهم بدوامهما انتهى، وفيه بحث.

والحق أن صحة إرادة ذلك مما لا ينبغي أن ينتطح فيه كبشان، وفي الأخبار عن ابن عباس والحسن والسدي وغيرهم ما يقتضيه، ومن تأمل منصفاً بعد تسليم أن هناك تشبيهاً يظهر له أن المشبه به أعرف من المشبه وأقرب إلى الذهن، واتحاد طريق العلم بهما لا يضر في ذلك شيئاً بداهة أن ثبوت الحيز أعرف وأقرب إلى الذهن من ثبوت ما تحيز فيه وإن وردا من طرق السمع كما لا يخفى على أن اشتراط كون المشبه به أعرف في كل تشبيه غير مسلم عند الناظر في المعاني، نعم المتبادر من السماوات والأرض هذه الأجرام المعهودة عندنا، فالأولى أن تبقى على ظاهرها ويجعل الكلام خارجاً مخرج ما اعتادته العرب في محاوراتهم عند إرادة التبعيد والتأبيد، وهو أكثر من أن يحصى، ولعل هذا أولى أيضاً مما في «تفسير ابن كثير» من حمل السماوات والأرض على الجنس الشامل لما في الدنيا والآخرة أي المظل والمقل في كل دار.

السابقالتالي
2 3 4 5 6