الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ }

{ وَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ } قيل: الضمير للقرى مراداً بها أهلها وقد أريد منها أولاً حقيقتها، ففي الكلام استخدام، وقيل: الضمير لأهل القرى لأن هناك مضافاً مقدراً أي ذلك من أنباء أهل القرى؛ والضمائر منها ما يعود إلى المضاف ومنها ما يعود إلى المضاف إليه، ومتى وضح الأمر جاز مثل ذلك. وقيل: القرى على ظاهرها وإسناد الأنباء إليها مجاز، وضمير { مِنْهَا } لها وضمير { ظَلَمْنَـٰهُمْ } للأهل المفهوم منها، وقيل: القرى مجاز عن أهلها، والضميران راجعان إليها بذلك الاعتبار، أو يقدر المضاف والضميران له أيضاً، وعلى هذا خرج ما حكي عن بعضهم من أن معنىمِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ } [هود: 100] منها باق نسله ومنها منقطع نسله. وأياً ما كان ففي الكلام إيذان بإهلاك الأهل فيكون المعنى هنا وما ظلمناهم بإهلاكنا إياهم.

{ وَلَـٰكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } حيث اقترفوا بسوء استعدادهم ما يترتب عليه ذلك بمقتضى الحكمة { فَمَآ أَغْنَتْ عَنْهُمْ } أي ما نفعتهم ولا دفعت بأس الله تعالى عنهم { آلِهَتُهُمُ ٱلَّتِى يَدْعُونَ } أي يعبدونها { مِن دُونِ ٱللَّهِ } أوثر صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية أو للدلالة على استمرار عبادتهم لها { مِن شَيْء } أي شيئاً من الإغناء أو شيئاً من الأشياء ـ فما ـ نافية لا استفهامية ـ وإن جوّزه السمين ـ وتعلق (عن) بما عنده لما فيه من معنى الدفع، و { مِنْ } الأخيرة صلة ومجرورها مفعول مطلق أو مفعول به للدفع. وقوله سبحانه: { لَّمَّا جَآء أَمْرُ رَبّكَ } أي حين مجيء عذابه منصوب ـ بأغنت ـ وهذا ـ على ما في «البحر» ـ بناءاً على خلاف مذهب سيبويه لأن مذهبه أن { لَّمّاً } حرف وجوب لوجوب. وقرىء ـ آلهتهم اللاتي ـ و { يدعون } بالبناء للمفعول وهو وصف للآلهة كالتي في المشهورة، وفيه مطابقة / للموصوف ليست في { ٱلَّتِي } لكن قيل ـ كما في «جمع الجوامع» للجلال السيوطي ـ إن التي في جمع غير عالم أكثر من اللاتي، نعم إن الآلهة قد عوملت في الآية معاملة العقلاء لأن عبدتها نزلوها منزلة العقلاء في اعتقادهم فيها أنها تنفع وتضر، فقيل: { وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } ومن هنا قيل: إن (اللاتي) في تلك القراءة واقع موقع الألى أو الذين. و التتبيب على ما في «البحر» التخسير، يقال: تب خسر وتببه خسره. وذكر الجوهري أن التب الخسران والهلاك والتتبيب الإهلاك، وفي «القاموس» التب والتبب والتباب والتتبيب النقص والخسار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر ومجاهد تفسير ذلك بالتخسير، وكذا أخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه عنهما إلا أنه استشهد عليه بقول بشر بن أبي خازم
: هم جدعوا الأنواف فأذهبوها   وهم تركوا بني سعد (تباباً)
وحينئذ فالمعنى فما زادوهم غير تخسير أو خسارة لنفوسهم حيث استحقوا العذاب الأليم على عبادتهم لها نسأل الله تعالى العفو والعافية.