الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ }

قيل الخطاب للكفار وحكي ذلك عن الحسن ومقاتل واختاره الطيبـي والنعيم عام لكل ما يتلذذ به من مطعم ومشرب ومفرش ومركب وكذا قيل في الخطابات السابقة وقد روي عن ابن عباس أنه صرح بأن الخطاب فيلَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } [التكاثر: 6] للمشركين وحملوا الرؤية عليه على رؤية الدخول وحملوا السؤال هنا على سؤال التقريع والتوبيخ لما أنهم لم يشكروا ذلك بالإيمان به عز وجل والسؤال قيل يجوز أن يكون / بعد رؤية الجحيم ودخولها كما يسألون كذلك عن أشياء أخر على ما يؤذن به قوله تعالىكُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } [الملك: 8] وقوله سبحانهمَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } [المدثر: 42] وذلك لأنه إذ ذاك أشد إيلاماً وأدعى للاعتراف بالتقصير فثم على ظاهرها وأن يكون في موقف الحساب قبل الدخول فتكون (ثم) للترتيب الذكري.

وقيل الخطاب مخصوص بكل من ألهاه دنياه عن دينه والنعيم مخصوص بما شغله عن ذلك لظهور أن الخطاب في { ألهاكم } الخ للملهين فيكون قرينة على ما ذكر وللنصوص الكثيرة كقوله تعالىقُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ } [الأعراف: 32] وكُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } [المؤمنون: 51] وهذا أيضاً يحمل السؤال على سؤال التوبيخ ويدخل فيما ذكر الكفار وفسقة المؤمنين.

وقيل الخطاب عام وكذا السؤال يعم سؤال التوبيخ وغيره والنعيم خاص واختلف فيه على أقوال فأخرج عبد الله بن أحمد في «زوائد الزهد» عن ابن مسعود مرفوعاً هو الأمن والصحة وأخرج البيهقي عن الأمير على كرم الله تعالى وجهه قال النعيم العافية وأخرج ابن مردويه عن أبـي الدرداء مرفوعاً أكل خبز البر والنوم في الظل وشرب ماء الفرات مبرداً وأخرج ابن جرير عن ثابت البناني مرفوعاً النعيم المسؤول عنه يوم القيامة كِسرة تَقُوته وماء يرويه وثوب يواريه وأخرج الخطيب " عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسره قال الخصاف والماء وفلق الكسر " وروي عنه وعن جابر أنه ملاذ المأكول والمشروب وقال الحسين بن الفضل هو تخفيف الشرائع وتيسير القرآن.

ويروى عن جابر الجعفي من الإمامية قال دخلت على الباقر رضي الله تعالى عنه قال ما يقول أرباب التأويل في قوله تعالى { لَتُسْـئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } فقلت يقولون الظل والماء البارد فقال لو أنك أدخلت بيتك أحداً وأقعدته في ظل وسقيته أتمن عليه قلت لا قال فالله تعالى أكرم من أن يطعم عبده ويسقيه ثم يسأله عنه قلت ما تأويله قال النعيم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم أنعم الله تعالى به على أهل العالم فاستنقذهم به من الضلالة أما سمعت قوله تعالىلَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً } [آل عمران: 164] ومن رواية العياشي من الإمامية أيضاً أن أبا عبد الله رضي الله تعالى عنه قال لأبـي حنيفة رضي الله تعالى عنه في الآية ما النعيم عندك يا نعمان فقال القوت من الطعام والماء البارد فقال أبو عبد الله لئن أوقفك الله تعالى بين يديه حتى يسألك عن كل أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه فقال أبو حينفة فما النعيم قال نحن أهل البيت النعيم أنعم الله تعالى بنا على العباد وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين وبنا ألف الله تعالى بين قلوبهم وجعلهم إخواناً بعد أن كانوا أعداء وبنا هداهم إلى الإسلام وهو النعمة التي لا تنقطع والله تعالى سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم سبحانه به عليهم وهو محمد وعترته عليه وعليهم الصلاة والسلام وكلا الخبرين لا أرى لهما صحة وفيهما ما ينادي عن عدم صحتهما كما لا يخفى على من ألقى السمع وهو شهيد.

السابقالتالي
2 3