الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ }

{ فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ } أي في شك ما يسير، والخطاب قيل: له صلى الله عليه وسلم والمراد إن كنت في ذلك على سبيل الفرض والتقدير لأن الشك لا يتصور منه عليه الصلاة والسلام لانكشاف الغطاء له ولذا عبر ـ بأن ـ التي تستعمل غالباً فيما لا تحقق له حتى تستعمل في المستحيل عقلاً وعادة كما في قوله سبحانه:قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ } [الزخرف: 81] وقوله تعالى:فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ } [الأنعام: 35] وصدق الشرطية لا يتوقف على وقوعها كما هو ظاهر؛ والمراد بالموصول القصص، أي إن كنت في شك من القصص المنزلة إليك التي من جملتها قصة فرعون وقومه وأخبار بني إسرائيل.

{ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءَونَ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكَ } فإن ذلك محقق عندهم ثابت في كتبهم حسبما أنزلناه إليك، وخصت القصص بالذكر لأن الأحكام المنزلة إليه عليه الصلاة والسلام ناسخة لأحكامهم مخالفة لها فلا يتصور سؤالهم عنها، والمراد بالكتاب جنسه فيشمل التوراة والإنجيل وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ويؤيده أنه قرىء { الكُتبْ } بالجمع، وفسر الموصول بمن لم يؤمن من أهل الكتاب لأن إخبارهم بما يوافق ما أنزل المترتب على السؤال أجدى في المقصود، وفسره بعضهم بالمؤمنين منهم كعبد الله بن سلام وتميم الداري ونسب ذلك إلى ابن عباس والضحاك ومجاهد وتعقب بأن ابن سلام وغيره إنما أسلموا بالمدينة وهذه السورة مكية، وينبغي أن يكون المراد الاستدلال على حقية المنزلة والاستشهاد بما في الكتب المتقدمة على ما ذكر وأن القرآن مصدق لها، ومحصل ذلك أن الفائدة دفع الشك إن طرأ لأحد غيره صلى الله عليه وسلم بالبرهان أو وصف أهل الكتاب بالرسوخ في العلم بصحة نبوته صلى الله عليه وسلم وتوبيخهم على ترك الإيمان أو تهييج الرسول عليه الصلاة والسلام وزيادة تثبيته، وليس الغرض إمكان وقوع الشك له صلى الله عليه وسلم أصلاً، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام حين جاءته الآية على ما أخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة: «لا أشك ولا أسأل».

وزعم الزجاج أن { إن } نافية وقوله سبحانه: { فَاسْأَلِ } جواب شرط مقدر أي ما كنت في شك مما أنزلنا إليك فإن أردت أن تزداد يقيناً فاسأل وهو خلاف الظاهر وفيما ذكر غنى عنه، ومثله ما قيل: إن الشك بمعنى الضيق والشدة بما يعاينه صلى الله عليه وسلم من تعنت قومه وأذاهم أي إن ضقت ذرعاً بما تلقى من أذى قومك وتعنتهم فاسأل أهل الكتاب كيف صبر الأنبياء عليهم السلام على أذى قومهم وتعنتهم فاصبر كذلك بل هو أبعد جداً من ذلك، وقيل: الخطاب له صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته أو لكل من يسمع أي إن كنت أيها السامع في شك مما أنزلنا على لسان نبينا إليك فاسأل، { فَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ } على هذا نظير قوله سبحانه:

السابقالتالي
2