الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }

{ فَٱلْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ } تهكم به وتخييب له وحسم لأطماعه بالمرة، والمراد فاليوم نخرجك مما وقع فيه قومك من قعر البحر ونجعلك طافياً ملابساً ببدنك عارياً عن الروح إلا أنه عبر عن ذلك بالتنجية مجازاً، وجعل الجار والمجرور في موضع الحال من ضمير المخاطب لذلك مع ما فيه من التلويح بأن مراده بالإيمان هو النجاة، وقيل: معنى الحال عارياً عن اللباس أو تام الأعضاء كاملها.

وجعل بعض الأفاضل الكلام على التجريد، وجوز أن يكون الباء زائدة ـ وبدنك ـ بدل بعض من ضمير المخاطب كأنه قيل: ننجي بدنك، وجعل الباء للآلة ليكون على وزان قولك ـ أخذته بيدك ـ ونظرته بعينك ـ إيذاناً بحصول هذا المطلوب البعيد التناول وجه لكنه غير وجيه كما لا يخفى، وقيل: التنجية الإلقاء على النجوة وهي المكان المرتفع، قيل: وسمي به لنجاته عن السيل، وإلى هذا ذهب يونس بن حبيب النحوي، فقد أخرج ابن الأنباري وأبو الشيخ عنه أنه قال: المعنى نجعلك على نجوة من الأرض كي يراك بنو إسرائيل فيعرفوا أنك قد متّ، وجاء تفسير البدن بالدرع، وروي ذلك عن محمد بن كعب وأبـي، وكانت له درع من / ذهب يعرف بها، وفي رواية أنها كانت من لؤلؤ. وأخرج ابن أبـي حاتم وأبو الشيخ عن أبـي جهضم موسى بن سالم أنه كان لفرعون شيء يلبسه يقال له البدن يتلألأ، وقرأ يعقوب { نُنَجّيكَ } من باب الأفعال وهو بمعنى التفعيل بمعنييه السابقين، وأخرج ابن الأنباري عن محمد بن السميقع اليماني ويزيد البربري أنهما قرآ { ننحيك } بالحاء المهملة ونسبت إلى أبـي بن كعب وأبـي السمال أي نجعلك في ناحية ونلقيك على الساحل. وقرأ أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه { بأبدانك } على صيغة الجمع بجعل كل عضو بمنزلة البدن فأطلق الكل على الجزء مجازاً وعلى هذا جمع الإجرام في قوله
: وكم موطن لولاي طحت كما هوى   بأجرامه من قلة النيق منهوي
أو بإرادة دروعك بناءً على أن المخذول كان لابساً درعاً على درع. وأخرج ابن الأنباري عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قرأ { بندائك } أي بدعائك.

{ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً } أي لتكون لمن يأتي بعدك من الأمم إذا سمعوا حال أمرك ممن شاهد حالك وما عراك عبرة ونكالاً من الطغيان أو حجة تدلهم على أن الإنسان وإن بلغ الغاية القصوى من عظم الشأن وعلو الكبرياء وقوة السلطان فهو مملوك مقهور بعيد عن مظان الألوهية والربوبية، وقيل: المراد بمن خلفه من بقي بعده من بني إسرائيل فهو مملوك مقهور بعيد عن مظان الألوهية والربوبية، وقيل: المراد بمن خلفه من بقي بعده من بني إسرائيل أي لتكون لهم علامة على صدق موسى عليه السلام إذ كان في نفوسهم من عظمته ما خيل إليهم أنه لا يهلك فكذبوا لذلك خبر موسى عليه السلام بهلاكه حتى عاينوه على ممرهم من الساحل أحمر قصيراً كأنه ثور وروي هذا عن مجاهد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8