الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ }

{ آلآنَ } الاستفهام للإنكار والتوبيخ، والظرف متعلق بمحذوف يقدر مؤخراً أي الآن تؤمن حين يئست من الحياة وأيقنت بالممات، وقدر مؤخراً ليتوجه الإنكار والتوبيخ إلى تأخير الإيمان إلى حد يمتنع قبوله فيه، والكلام على تقدير القول أي فقيل له ذلك وهو معطوف علىقَالَ } [يونس: 90] وهذا إلىآيَةً } [يونس: 92] حكاية لما جرى منه سبحانه من الغضب على المحذوف ومقابلة ما أظهره بالرد الشنيع وتقريعه بالعصيان والإفساد إلى غير ذلك، وفي حذف الفعل المذكور وإبراز الخبر المحكي في صورة الإنشاء من الدلالة على عظم السخط وشدة الغضب ما لا يخفى. والقائل له ذلك قيل: هو الله تعالى، وقيل: هو جبريل عليه السلام، وقيل: إنه ميكائيل عليه السلام. فقد أخرج أبو الشيخ عن أبـي أمامة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال لي جبريل عليه السلام: «ما أبغضت شيئاً من خلق الله تعالى ما أبغضت إبليس يوم أمر بالسجود فأبـى أن يسجد وما أبغضت شيئاً أشد بغضاً من فرعون فلما كان يوم الغرق خفت أن يعتصم بكلمة الإخلاص فينجو فأخذت قبضة من حمأة فضربت بها في فيه فوجدت الله تعالى عليه أشد غضباً مني فأمر ميكائيل فأتاه فقال { آلآنَ } الخ " وما تضمنه هذا الخبر من فعل جبريل عليه السلام جاء في غير ما خبر. ومن ذلك ما أخرجه الطيالسي وابن حبان وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الشعب والترمذي والحاكم وصححاه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل: لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في في فرعون مخافة أن تدركه الرحمة " واستشكل هذا التعليل.

وفي «الكشاف» ((أن ذلك من زيادات الباهتين لله تعالى وملائكته عليهم السلام: وفيه جهالتان: إحداهما: أن الإيمان يصح بالقلب كإيمان الأخرس فحال البحر لا يمنعه. والأخرى: أن من كره إيمان الكافر وأحب بقاءه على الكفر فهو كافر لأن الرضا بالكفر كفر))، وارتضاه ابن المنير قائلاً: ((لقد أنكر منكراً وغضب لله تعالى وملائكته عليهم السلام كما يجب لهم))، والجمهور على خلافه لصحة الحديث عند الأئمة الثقات كالترمذي المقدم على المحدثين بعد مسلم وغيره. وقد خاضوا في بيان المراد منه بحيث لا يبقى فيه إشكال.

ففي «إرشاد العقل السليم» أن المراد بالرحمة الرحمة الدنيوية أي النجاة التي هي طلبة المخذول وليس من ضرورة إدراكها صحة الإيمان كما في إيمان قوم يونس عليه السلام حتى يلزم من كراهته ما لا يتصور في شأن جبريل عليه السلام من الرضا بالكفر إذ لا استحالة في ترتب هذه الرحمة على مجرد التفوه بكلمة الإيمان وإن كان ذلك في حالة البأس واليأس فيحمل دسه عليه السلام على سد باب الاحتمال البعيد لكمال الغيظ وشدة الحرد انتهى.

السابقالتالي
2