الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ }

{ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً } أي ما يتزين به من اللباس والمراكب ونحوها وتستعمل مصدراً { وَأَمْوَالاً } أنواعاً كثيرة من المال كما يشعر به الجمع والتنوين، وذكر ذلك بعد الزينة من ذكر العام بعد الخاص للشمول، وقد يحمل على ما عداه بقرينة المقابلة، وفسر بعضهم الزينة بالجمال وصحة البدن وطول القامة ونحوه { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ } أي لكي يضلوا عنها وهو تعليل للإيتاء السابق، والكلام إخبار من موسى عليه السلام بأن الله تعالى إنما أمدهم بالزينة والأموال استدراجاً ليزدادوا إثماً وضلالة كما أخبر سبحانه عن أمثالهم بقوله سبحانه:إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً } [آل عمران: 178] وإلى كون اللام للتعليل ذهب الفراء والظاهر أنه حقيقة فيكون ذلك الضلال مراد الله تعالى، ولا يلزم ما قاله المعتزلة من أنه إذا كان مراداً يلزم أن يكونوا مطيعين به بناءً على أن الإرادة أمر أو مستلزم له لما أنه قد تبين بطلان هذا المبنى في الكلام، وقدر بعضهم حذراً من ذلك لئلا يضلوا كما قدر فيشَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ } [الأعراف: 172] شهدنا أن لا تقولوا ولا حاجة إليه، وقال الأخفش: اللام للعاقبة فيكون ذلك إخباراً منه عليه السلام لممارسته لهم وتفرسه بهم أو لعلمهم بالوحي على ما قيل بأن عاقبة ذلك الإيتاء الضلال.

والفرق بين التعليل المجازي وهذا إن قلنا بأنه معنى مجازي أيضاً أن في التعليل ذكر ما هو سبب لكن لم يكن إيتاؤه لكونه سبباً وفي لام العاقبة لم يذكر سبب أصلاً وهي كاستعارة أحد الضدين للآخر، وقال ابن الأنباري: إنها للدعاء ولا مغمز على موسى عليه السلام في الدعاء عليهم بالضلال إما لأنه عليه السلام علم بالممارسة أو نحوها أنه كائن لا محالة فدعا به وحاصله أنه دعاء بما لا يكون إلا ذلك فهو تصريح بما جرى قضاء الله تعالى به، ونحوه لعن الله تعالى الشيطان وإما لأنه ليس بدعاء حقيقة، وليس النظر إلى تنجيز المسؤول وعدمه بل النظر إلى وصفهم بالعتو وإبلاء عذره عليه السلام في الدعوة فهو كناية إيمائية على هذا، وما قيل: هذا شهادة بسوء حالهم بطريق الكناية في الكناية لأن الضلال رديف الإضلال وهو منع اللطف فكنى بالضلال عن الإضلال والإضلال رديف كونهم كالمطبوع عليهم فكان هذا كشفاً وبياناً لحالهم بطريق الكناية فهو على ما فيه شيء عنه غني لأن الطبع مصرح به بعد بل النظر هٰهنا إلى الزبدة والخلاصة من هذه المطالب كلها، ويشعر كلام الزمخشري باختيار كونها للدعاء، وفي «الانتصاف» ((أنه اعتزال [خفي الذي هو] أدق من دبيب النمل يكاد الاطلاع عليه [أن] يكون كشفاً، والظاهر أنها للتعليل، وقال صاحب «الفرائد»: لولا التعليل لم يتجه قوله: { إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً } ولم ينتظم.

السابقالتالي
2 3