الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلْمُسْرِفِينَ }

{ فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ } عطف على مقدر فصل في موضع آخر أي فألقى / عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون الخ، وإنما لم يذكر تعويلاً على ذلك وإيثار للإيجاز وإيذاناً بأن قوله تعالى:إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ } [يونس: 81] مما لا يحتمل الخلف أصلاً، ولعل عطفه على ذلك بالفاء باعتبار الإيجاب الحادث الذي هو أحد مفهومي الحصر، فإنهم قالوا: معنى ما قام إلا زيد قام زيد ولم يقم غيره، وبعضهم لم يعتبر ذلك وقال: إن عطفه بالفاء على ذلك مع كونه عدماً مستمراً من قبيل ما في قوله تعالى:فَٱتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ } [هود: 97] وما في قولك: وعظته فلم يتعظ ـ وصحت به فلم ينزجر، والسر في ذلك أن الإتيان بالشيء بعد ورود ما يوجب الإقلاع عنه وإن كان استمراراً عليه لكنه بحسب العنوان فعل جديد وضع حادث أي فما آمن عليه السلام في مبدأ أمره.

{ إِلاَّ ذُرّيَّةٌ مّن قَوْمِهِ } أي إلا أولاد بعض بني إسرائيل دعا عليه السلام الآباء فلم يجيبوه خوفاً من فرعون وأجابته طائفة من شبانهم، فالمراد من الذرية الشبان لا الأطفال. و { مِنْ } للتبعيض، وجوز أن تكون للابتداء والتبعيض مستفاد من التنوين، والضمير لموسى عليه السلام كما هو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأخرج ابن جرير عنه أن الضمير لفرعون وبه قال جمع، فالمؤمنون من غير بني إسرائيل ومنهم زوجته آسية وماشطة ومؤمن آل فرعون والخازن وامرأته، وفي إطلاق الذرية على هؤلاء نوع خفاء. ورجح بعضهم إرجاع الضمير لموسى عليه السلام بأنه المحدث عنه وبأن المناس على القول الآخر الإضمار فيما بعد، ورجح ابن عطية إرجاع الضمير لفرعون بأن المعروف في القصص أن بني إسرائيل كانوا في قهر فرعون وكانوا قد بشروا بأن خلاصهم على يد مولود يكون نبياً صفته كذا كذا فلما ظهر موسى عليه السلام اتبعوه ولم يعرف أن أحداً منهم خالفه فالظاهر القول الثاني، وما ذكر من أن المحدث عنه موسى عليه السلام لا يخلو عن شيء، فإن لقائل أن يقابل ذلك بأن الكلام في قوم فرعون لأنهم القائلون إنه ساحر ولأن وعظ أهل مكة وتخويفهم المسوق له الآيات قاض بأن المقصود هنا شرح أحوالهم. وأنت تعلم أن للبحث في هذا مجالاً والمعروف بعد تسليم كونه معروفاً لا يضر القول الأول لأن المراد حينئذ فما أظهر إيمانه وأعلن به إلا ذرية من بني إسرائيل دون غيرهم فإنهم أخفوه ولم يظهروه.

{ عَلَىٰ خَوْفٍ } حال من { ذُرِّيَّةٌ } و { عَلَىٰ } بمعنى مع كما قيل في قوله تعالى:وَءاتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبّهِ } [البقرة: 177] والتنوين للتعظيم أي كائنين مع خوف عظيم { مِن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ } الضمير لفرعون، والجمع عند غير واحد على ما هو المعتاد في ضمائر العظماء.

السابقالتالي
2 3