الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَلْقَواْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ }

{ فَلَمَّآ أَلْقُوْاْ } ما ألقوا من العصي والحبال واسترهبوا الناس وجاؤوا بسحر عظيم { قَالَ } لهم { مُوسَىٰ } غير مكترث بهم وبما صنعوا { مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ } { مَا } موصولة وقعت مبتدأ و { ٱلسِّحْرُ } خبر وأل فيه للجنس والتعريف لإفادة القصر إفراداً أي الذي جئتم به هو السحر لا الذي سماه فرعون وملؤه من آيات الله تعالى سحراً وهو للجنس، ونقل عن الفراء أن أل للعهد، لتقدم السحر في قوله تعالى:إِنَّ هَـٰذَا لَسَـٰحِرٌ } [يونس: 76] ورد بأن شرط كونها للعهد اتحاد المتقدم والمتأخر ذاتاً كما فيأَرْسَلْنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ } [المزمل: 15ـ16] ولا اتحاد فيما نحن فيه فإن السحر المتقدم ما جاء به موسى عليه السلام وهذا ما جاء به السحرة. ومن الناس من منع اشتراط الاتحاد الذاتي مدعياً أن الاتحاد في الجنس كاف فقد قالوا في قوله تعالى:وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَيَّ } [مريم: 33] إن أل للعهد مع أن السلام الواقع على عيسى عليه السلام غير السلام الواقع على يحيـى عليه السلام ذاتاً، والظاهر اشتراط ذلك وعدم كفاية الاتحاد في الجنس وإلا لصح في رأيت رجلاً وأكرمت الرجل إذا كان الأول زيداً والثاني عمراً مثلاً أن يقال: إن أل للعهد، لأن الاتحاد في الجنس ظاهر ولم نجد من يقوله بل لا أظن أحداً تحدثه نفسه بذلك وما في الآية من هذا القبيل بل المغايرة بين المتقدم والمتأخر أظهر إذ الأول سحر ادعائي والثاني حقيقي، و { ٱلسَّلَـٰمُ } فيما نقلوا متحد وتعدد من وقع عليه لا يجعله متعدداً في العرف والتدقيق الفلسفي لا يلتفت إليه في مثل ذلك.

وقد ذكر بعض المحققين أن القول يكون التعريف للعهد مع دعوى استفادة القصر منه مما يتنافيان لأن / القصر إنما يكون إذا كان التعريف للجنس. نعم إذا لم يرد بالنكرة المذكورة أولاً معين ثم عرفت لا ينافي التعريف الجنسية لأن النكرة تساوي تعريف الجنس فحينئذ لا ينافي تعريف العهد القصر وإن كان كلامهم يخالفه ظاهراً فليحرر انتهى. وأقول: دعوى الفراء العهد هنا مما لا ينبغي أن يلتفت إليه، ولعله أراد الجنس وأن عبر بالعهد بناء على ما ذكره الجلال السيوطي في «همع الهوامع» نقلاً عن ابن عصفور أنه قال: لا يبعد عندي أن يسمى الألف واللام اللتان لتعريف الجنس عهديتين لأن الأجناس عند العقلاء معلومة مذ فهموها والعهد تقدم المعرفة. وادعى أبو الحجاج يوسف بن معزوز أن أل لا تكون إلا عهدية وتأوله بنحو ما ذكر إلا أن ظاهر التعليل لا يساعد ذلك.

وقرأ عبد الله { سحر } بالتنكير، وأبـيّ { ما آتيتم به سحر } والكلام على ذلك مفيد للقصر أيضاً لكن بواسطة التعريض لوقوعه في مقابلة قولهم:

السابقالتالي
2