الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ }

{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي بكل ما جاء من عند الله تعالى { وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } عما يحق الاتقاء منه من الأفعال والتروك اتقاء دائماً حسبما يفيده الجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل والموصول في محل الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، والجملة استئناف بياني كأنه قيل: من أولئك وما سبب فوزهم بما أشار إليه الكلام السابق؟ فقيل: هم الذين جمعوا بين الإيمان والتقوى المفضيين إلى كل خير المجنبين عن كل شر. ولك أن تقصر في السؤال على من أولئك؟ فيكون ذلك بياناً وتفسيراً للمراد من الأولياء فقط، وعلى الأول هذا مع الإشارة إلى ما به نالوا مالوا، وقيل: محله النصب أو الرفع على المدح أو على أنه وصف للأولياء. ورد بأن في ذلك الفصل بين الصفة والموصوف بالخبر. وقد / أباه النحاة. نعم جوزه الحفيد، وجوز فيه البدلية أيضاً.

والمراد من التقوى عند جمع المرتبة الثالثة منها وهي التقوى المأمور بها في قوله تعالى:ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [آل عمران: 102] وفسرت بتنزه الإنسان عن كل ما يشغل سره عن الحق والتبتل إليه بالكلية، وبذلك يحصل الشهود والحضور والقرب الذي يدور إطلاق الاسم عليه، وهكذا كان حال [كل] من دخل معه صلى الله عليه وسلم تحت الخطاب بقوله سبحانه وتعالى:وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ } [يونس: 61] الخ خلا أن لهم في شأن التبتل والتنزه درجات متفاوتة حسبما درجات تفاوت استعداداتهم، وأقصى الدرجات ما انتهى إليه همم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حتى جمعوا بذلك بين رياسة النبوة والولاية ولم يعقهم التعلق بعالم الأشباح عن الاستغراق في عالم الأرواح ولم تصدهم الملابسة بمصالح الخلق عن التبتل إلى جناب الحق سبحانه عز وجل لكمال استعداد نفوسهم الزكية المؤيدة بالقوة القدسية كذا قيل.

وفي كون حال كل من دخل معه صلى الله عليه وسلم تحت الخطاب مراداً به جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم ما أشار إليه من التقوى الحقيقية المأمور بها في الآية التي بها يحصل الشهود والحضور والقرب بحث، وقصارى ما تحقق بعد نزاع طويل ذكرناه في جوابنا لسؤال أهل ـ لاهور ـ أن الصحابة كلهم عدول من لابس منهم الفتنة ومن لم يلابسها ودعوى أن العدالة تستلزم الولاية بالمعنى السابق إن تمت تم المقصود وإلا فلا، والآية ظاهرة في أن الأولياء هم المؤمنون المتقون وأقل ما يكفي في إطلاق الولي التقرب إليه سبحانه بالفرائض من امتثال الأوامر واجتناب الزواجر، والأكمل التقرب إليه جل شأنه بكل ما يمكن من القرب، وفي «المبين المعين» الولي هو من يتولى الله تعالى بذاته أمره فلا تصرف له أصلاً إذ لا وجود له ولا ذات ولا فعل ولا وصف، والتركيب يدل على القرب فكأنه قريب منه عز وجل لاستدامة عباداته واستقامة طاعاته أو لاستغراقه في بحر معرفته ومشاهدة طلعة عظمته انتهى.

السابقالتالي
2 3 4 5