{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مّن رّزْقٍ } أي ما قدر لانتفاعكم من ذلك وإلا فالرزق ليس كله منزلاً، واستعمال أنزل فيما ذكر مجاز من إطلاق المسبب على السبب، وجوز أن يكون الإسناد مجازياً بأن أسند الإنزال إلى الرزق لأن سببه كالمطر منزل، وقيل: إن هناك استعارة مكنية تخييلية وهو بعيد، وجعل الرزق مجازاً عن سببه أو تقدير لفظ سبب مما لا ينبغي و { مَا } إما موصولة في موضع النصب على أنها مفعول أول ـ لأرأيتم ـ والعائد محذوف أي أنزله والمفعول الثاني ما ستراه إن شاء الله تعالى قريباً و { مَا } استفهامية في موضع النصب على أنه مفعول { أَنَزلَ } وقدم عليه لصدارته، وهو معلق لما قبله إن قلنا بالتعليق فيه أي أي شيء أنزل الله تعالى من رزق { فَجَعَلْتُمْ مّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً } أي فبعضتموه وقسمتموه إلى حرام وحلال وقلتم،{ هَـٰذِهِ أَنْعَـٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ } [الأنعام: 138] و{ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَـٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوٰجِنَا } [الأنعام: 139] إلى غير ذلك. { قُلِ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } في جعل البعض منه حراماً والبعض الآخر حلالاً { أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ } { أَمْ } والهمزة متعادلتان والجملة في موضع المفعول الثاني ـ لأرأيتم ـ و { قُلْ } مكرر للتأكيد فلا يمنع من ذلك، والعائد على المفعول الأول مقدر، والمعنى أرأيتم الذي أنزله الله تعالى لكم من رزق ففعلتم فيه ما فعلتم أي الأمرين كائن فيه الإذن فيه من الله تعالى بجعله قسمين أم الافتراء منكم، وكان أصل { ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } الخ آلله أذن أم غيره فعدل إلى ما في النظم الجليل دلالة على أن الثابت هو الشق الثاني وهم نسبوا ذلك إليه سبحانه فهم مفترون عليه جل شأنه لا على غيره وفيه زجر عظيم كما لا يخفى، ولعل هذا مراد من قال: إن الاستفهام للاستخبار ولم يقصد به حقيقته لينافي تحقق العلم بانتفاء الإذن وثبوت الافتراء بل قصد به التقرير والوعيد وإلزام الحجة. وجوز أن يكون الاستفهام لإنكار الإذن وتكون { أَمْ } منقطعة بمعنى بل الإضرابية، والمقصود الإضراب عن ذلك لتقرير افترائهم، والجملة على هذا معمولة للقول وليست متعلقة ـ بأرأيتم ـ وهو قد اكتفى بالجملة الأولى كما أشرنا إليه، ومن الناس من جوز كون { أَمْ } متصلة وكونها منفصلة على تقدير تعلق الجملة بفعل القول وأوجب الاتصال على تقدير تعلقها ـ بأرأيتم ـ وجعل الاسم الجليل مبتدأ مخبراً عنه بالجملة للتخصيص عند بعض ولتقوية الحكم عند آخر، والإظهار بعد في مقام الإضمار للإيذان بكمال قبح افترائهم، وتقديم الجار والمجرور للقصر مطلقاً في رأي ولمراعاة الفواصل على الوجه الأول وللقصر على الوجه الثاني في آخر. واستدل المعتزلة بالآية على أن الحرام ليس برزق ولا دليل لهم فيها على ما ذكرناه لأن المقدر للانتفاع هو الحلال فيكون المذكور هنا قسماً من الرزق وهو شامل للحلال والحرام والكفرة إنما أخطأوا في جعل بعض الحلال حراماً، ومن جعل أهل السنة نظيراً لهم في جعلهم الرزق مطلقاً منقسماً إلى قسمين فقد أعظم الفرية.