الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

{ وَلَوْ أَنَّ لِكُلّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ } أي بالكفر أو بالتعدي على الغير أو غير ذلك من أصناف الظلم كذا / قيل، وربما يقتصر على الأول لأنه الفرد الكامل مع أن الكلام في حق الكفار و { لَوْ } قيل بمعنى أن وقيل على ظاهرها واستبعد ولا أراه بعيداً { مَّا فِي ٱلأَرْضِ } أي ما في الدنيا من خزائنها وأموالها ومنافعها قاطبة { لاَفْتَدَتْ بِهِ } أي لجعلته فدية لها من العذاب من افتداه بمعنى فداه فالمفعول محذوف أي لافتدت نفسها به. وجوز أن يكون افتدى لازماً على أنه مطاوع فدى المتعدي يقال فداه فافتدى، وتعقب بأنه غير مناسب للسياق إذ المتبادر منه أن غيره فداه لأن معناه قبلت الفدية والقابل غير الفاعل، ونظر فيه بأنه قد يتحد القابل والفاعل إذا فدى نفسه نعم المتبادر الأول.

{ وَأَسَرُّواْ } أي النفوس المدلول عليها بكل نفس، والعدول إلى صيغة الجمع لإفادة تهويل الخطب بكون الإسرار بطريق المعية والاجتماع، وإنما لم يراع ذلك فيما سبق لتحقيق ما يتوخى من فرض كون جميع ما في الأرض لكل واحدة من النفوس، وإيثار صيغة جمع المذكر لحمل لفظ النفس على الشخص أو لتغليب ذكور مدلوله على إناثه، والإسرار الإخفاء أي أخفوا { ٱلنَّدَامَةَ } أي الغم والأسف على ما فعلوا من الظلم، والمراد إخفاء آثارها كالبكاء وعض اليد وإلا فهي من الأمور الباطنة التي لا تكون إلا سراً وذلك لشدة حيرتهم وبهتهم { لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ } أي عند معاينتهم من فظاعة الحال وشدة الأهوال ما لم يمر لهم ببال، فأشبه حالهم حال المقدم للصلب يثخنه ما دهمه من الخطب ويغلب حتى لا يستطيع التفوه ببنت شفة ويبقى جامداً مبهوتاً، وقيل: المراد بالإسرار الإخلاص أي أخلصوا الندامة وذلك إما لأن إخفاءها إخلاصها وإما من قولهم: سر الشيء لخالصه الذي من شأنه أن يخفى ويصان ويضن به وفيه تهكم بهم. وقال أبو عبيدة والجبائي: إن الأسرار هنا بمعنى الإظهار. وفي «الصحاح» أسررت الشيء كتمته وأعلنته أيضاً وهو من الأضداد، والوجهان جميعاً يفسران في قوله تعالى: { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ } وكذلك في قول امرىء القيس:
لو يسرون مقتلي   
انتهى وفي «القاموس» أيضاً ((أسره كتمه وأظهره ضد))، وفيه اختلاف اللغويين فإن الأزهري منهم ادعى أن استعمال أسر بمعنى أظهر غلط وأن المستعمل بذلك المعنى هو أشر بالشين المعجمة لا غير. ولعله قد غلط في التغليط، وعليه فالإظهار أيضاً باعتبار الآثار على ما لا يخفى. وجوز بعضهم أن يكون المراد بالإسرار الإخفاء إلا أن المراد من ضمير الجمع الرؤساء أي أخفى رؤساؤهم الندامة من سفلتهم الذين أضلوهم حياء منهم وخوفاً من توبيخهم، وفيه أن ضمير { أَسَرُّواْ } عام لا قرينة على تخصيصه على أن هول الموقف أشد من أن يتفكر معه في أمثال ذلك، وجملة { أَسَرُّواْ } مستأنفة على الظاهر وقيل: حال بتقدير قد، و { لَّمّاً } على سائر الأوجه بمعنى حين منصوب بأسروا، وجوز أن يكون للشرط والجواب محذوف على الصحيح لدلالة ما تقدم عليه أي لما رأوا العذاب أسروا الندامة.

السابقالتالي
2