الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ }

{ وَإِن كَذَّبُوكَ } أي أصروا على تكذيبك بعد إلزام الحجة، وأول بذلك لأن أصل التكذيب حاصلاً فلا يصح فيه الاستقبال المفاد بالشرط، وأيضاً جوابه وهو قوله سبحانه: { فَقُل لّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ } المراد منه التبرؤ والتخلية إنما يناسب الإصرار على التكذيب واليأس من الإجابة، والمعنى لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم كيفما كانا، وتوحيد العمل المضاف إليهم باعتبار الاتحاد النوعي ولمراعاة كمال المقابلة كما قيل، وقوله سبحانه: { أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } تأكيد لما أفاده لام الاختصاص من عدم تعدي جزاء العمل إلى غير عامله أن لا تؤاخذون بعملي ولا أؤاخذ بعملكم، وعلى هذا فالآية محكمة غير منسوخة بآية السيف لما أن مدلولها اختصاص كل بأفعاله وثمراتها من الثواب والعقاب وآية السيف لم ترفع ذلك، وعن مقاتل والكلبـي وابن زيد أنها منسوخة بها وكأن ذلك لما فهموا منها الإعراض وترك التعرض بشيء، ولعل وجه تقديم حكم المتكلم أولاً وتأخيره ثانياً والعكس في حكم المخاطبين ظاهر مما ذكرناه في معنى الآية فافهم.

هذا ومن باب الإشارة في الآيات: { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مّن بَعْدِ ضَرَّآء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِي ءايَـٰتِنَا } وهو احتجابهم عن قبول صفات الحق وذلك لأنه بتوفر النعم الظاهرة والمرادات الجسمانية يقوي ميل النفس إلى الجهة السفلية فتحتجب عن قبول ذلك كما أنه بأنواع البلاء تنكسر سورة النفس ويتلطف القلب ويحصل الميل إلى الجهة العلوية والتهيؤ لقبول ذلك { قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا } بإخفاء القهر الحقيقي في هذا اللطف الصوريإِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ } [يونس: 21] في ألواح الملكوت { هُوَ ٱلَّذِى يُسَيّرُكُمْ فِي ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ } أي يسير نفوسكم في بر المجاهدات وقلوبكم في بحر المشاهدات، وقيل: يسير عقولكم في بر الأفعال وأرواحكم في بحر الصفات والذات / { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ } أي فلك العناية الإزلية { وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيّبَةٍ } وهي ريح صبا وصاله سبحانه { وَفَرِحُواْ بِهَا } لإيذانها بذلك وتعطرها بشذا ديار الأنس ومرابع القدس:
ألا يا نسيم الريح مالك كلما   تقربت منا زاد نشرك طيبا
أظن سليمى خبرت بسقامنا   فأعطتك رياها فجئت طبيباً
{ جَآءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلّ مَكَانٍ } وذلك عاصف القهر وأمواج صفات الجلال، وهذه سنة جارية في العاشقين لا يستمر لهم حال ولا يدوم لهم وصال، ولله در من قال:
فبتنا على رغم الحسود وبيننا   شراب كريح المسك شيب به الخمر
فوسدتها كفي وبت ضجيعها   وقلت لليلي طل فقد رقد البدر
فلما أضاء الصبح فرق بيننا   وأي نعيم لا يكدره الدهر
{ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } أي أنهم من الهالكين في تلك الأمواج { دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } بالتبري من غير الله تعالى قائلين

السابقالتالي
2 3