الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }

{ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } كالتعليل لوجوب العبادة، والجار والمجرور خبر مقدم و { مَرْجِعُكُمْ } مبتدأ مؤخر وهو مصدر ميمي لا اسم مكان خلافاً لمن وهم فيه، و { جَمِيعاً } حال من الضمير المجرور لكونه فاعلاً في المعنى أي إليه تعالى رجوعكم مجتمعين لا إلى غيره سبحانه بالبعث { وَعَدَ ٱللَّهُ } مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة لأنها وعد منه تعالى بالبعث وحيث كانت لا تحتمل غير الوعد كان ذلك من أفراد المصدر المؤكد لنفسه عندهم كما في قولك: له علي ألف عرفاً، ويجوز أن يكون نصباً على المصدرية لفعل محذوف أي وعد الله وعداً، وأيا ما كان فهو دليل على أن المراد بالمرجوع الرجوع بالبعث لأن ما بالموت بمعزل عن الوعد كما أنه بمعزل عن الاجتماع فما وقع في بعض نسخ القاضي بالموت أو النشور ليس على ما ينبغي. وقرىء { وعد الله } بصيغة الفعل ورفع الاسم الجليل على الفاعلية { حَقّاً } مصدر مؤكد لما دل عليه الأول وهو من قسم المؤكد لغيره لأن الأول ليس نصاً فيه فإن الوعد يحتمل الحقية والتخلف. وقيل: إنه منصوب بوعد على تقدير ـ في ـ وتشبيه بالظرف كقوله:
أفي الحق أني هائم بك مغرم   
والأول أظهر.

وقوله سبحانه: { أَنَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } كالتعليل لما أفاده { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ } فإن غاية البدء والإعادة هو الجزاء بما يليق. وقرأ أبو جعفر. والأعمش { أنه } بفتح الهمزة على تقدير لأنه، وجوز أن يكون منصوباً بمثل ما نصب { وعد } أي وعد الله سبحانه بدء الخلق ثم إعادته أي إعادته بعد بدئه، ويكون الوعد واقعاً على المجموع لكن باعتبار الجزء الأخير لأن البدء ليس موعوداً، وأن يكوم مرفوعاً بمثل ما نصب { حقاً } أي حق بدء الخلق ثم إعادته ويكون نظير قول الحماسي:
أحقا عباد الله أن لست رائيا   رفاعة طول الدهر إلا توهما
وعن المرزوقي أنه خرجه على النصب على الظرفية وهو إما خبر مقدم أو ظرف معتمد وزعم أن ذلك مذهب سيبويه، وجوز أن يكون النصب بوعد الله على أنه مفعول له، والرفع بحقاً على أنه فاعل له، وظاهر كلام الكشاف يدل على أن الفعلين العاملين في المصدرين المذكورين هما اللذان يعملان فيما ذكر لا فعلان آخران مثلهما وحينئذ يفوت أمر التأكيد الذي ذكرناه لأن فاعل العامل بالمصدر المؤكد لا بد أن يكون عائداً على ما تقدمه مما أكده، وقرىء { حق أنه يبدأ الخلق } وهو كقولك: حق أن زيداً منطلق. وقرىء { يبدئ } من أبدأ، ولعل المراد من الخلق نحو المكلفين لا ما يعم ذلك والجمادات، ويؤيد ذلك ما أخرجه غير واحد عن مجاهد أن معنى الآية يحيـى الخلق ثم يميته ثم يحييه.

السابقالتالي
2