الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

{ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } أم منقطعة وهي مقدرة ببل والهمزة عند سيبويه والجمهور أي بل أيقولون، وبل انتقالية والهمزة لإنكار الواقع واستبعاده أي ما كان ينبغي ذلك، وجوز أن تكون للتقرير لإلزام الحجة والمعنيان على ما قيل متقاربان، وقيل: إن (أم) متصلة ومعادلها مقدر أي أتقرون به أم تقولون افتراه، وقيل: هي استفهامية بمعنى الهمزة، وقيل: عاطفة بمعنى الواو والصحيح الأول، وأياً ما كان فالضمير المستتر للنبـي صلى الله عليه وسلم وإن لم يذكر لأنه معلوم من السياق.

{ قُلْ } تبكيتاً لهم وإظهاراً لبطلان مقالتهم الفاسدة إن كان الأمر كما تقولون { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ } طويلة كانت أو قصيرة { مّثْلِهِ } في البلاغة وحسن الارتباط وجزالة المعنى على وجه الافتراء، وحاصله على ما قيل: إن كان ذاك افتراء مني فافتروا سورة مثله فإنكم مثلي في العربية والفصاحة وأشد تمرناً واعتياداً في النظم والنثر، وعلى هذا فالمراد بإتيان المخاطبين بذلك إنشاؤهم له والتكلم به من عند أنفسهم لا ما يعم ذلك وإيراده من كلام الغير ممن تقدم، وجوز أن يكون المراد ما ذكر ولعله السر في العدول عن قولوا سورة مثله مثلاً إلى ما في النظم الكريم، أي إن كان الأمر كما زعمتم فأتوا من عند أنفسكم أو ممن تقدمكم من فصحاء العرب وبلغائها كامرىء القيس وزهير وأضرابهما بسورة مماثلة له في صفاته الجليلة فحيث عجزتم عن ذلك مع شدة تمرنكم ولم يوجد في كلام أولئك وهم الذين نصبت لهم المنابر في عكاظ الفصاحة والبلاغة وبهم دارت رحا النظم والنثر وتصرمت أيامهم في الإنشاء والإنشاد دل على أنه ليس من كلام البشر بل هو من كلام خالق القوى والقدر. وقرىء { بسورة مثله } على الإضافة أي بسورة كتاب مثله.

{ وَٱدْعُواْ } للمعاونة والمظاهرة. { مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ } دعاءه والاستعانة به من آلهتكم التي تزعمون إنها ممدة لكم في المهمات والملمات والمداراة الذين / تلجؤون إليهم في كل ما تأتون وتذرون { مِن دُونِ ٱللَّهِ } متعلق بادعوا كما قيل و { مِنْ } ابتدائية على معنى أن الدعاء مبتدأ من غيره تعالى لا ملابسة له معه جل شأنه بوجه، وجوز أن يكون متعلقاً بما عنده و { مِنْ } بيانية أي ادعوا من استطعتم من خلقه ولا يخلو عن حسن. وفائدة هذا القيد قيل: التنصيص على براءتهم منه تعالى وكونهم في عدوة المضادة والمشاقة، وليس المراد به إفادة استبداده تعالى بالقدرة على ما كلفوه فإن ذلك مما يوهم أنهم لو دعوه لأجابهم إليه، وقد يقال: لا بأس بإفادة ذلك لأن الاستبداد المذكور مما يؤيد المقصود وهو كون ما أتى به صلى الله عليه وسلم لم يكن من عند نفسه بل هو منه تعالى، والإيهام مما لا يلتفت إليه فإن دعاءهم إياه تعالى بمعنى طلبهم منه سبحانه وتعالى أن يأتي بما كلفوه مستبداً به مما لا يكاد يتصور لأنه ينافي زعمهم السابق كما لا يخفى فتأمل { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } في أني افتريته فإن ذلك مستلزم لإمكان الإتيان بمثله وهو أيضاً مستلزم لقدرتكم عليه وجواب { إِن } محذوف لدلالة المذكور عليه.

السابقالتالي
2