الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

{ وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ } شروع في بيان حالهم من القرآن إثر بيان حالهم مع الأدلة المندرجة في تضاعيفه أو استئناف لبيان ما يجب اتباعه والبرهان عليه غب المنع مع اتباع الظن، وقيل: إنه متعلق بما قصه الله تعالى من قولهم:ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَا } [يونس: 15] وقيل: بقوله سبحانه:وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رَّبِّهِ } [يونس: 20] الخ ولا يخفى ما في ذلك من البعد { وَكَانَ } هنا ناقصة عند كثير من الكاملين { وَهَـٰذَا } اسمها { وَٱلْقُرْآنِِ } نعت له أو عطف بيان و { أَنْ يُفْتَرَىٰ } بتأويل المصدر أي افتراء خبر { كَانَ } وهو في تأويل المفعول أي مفترى كما ذكره ابن هشام في قاعدة أن اللفظ قد يكون على تقدير وذلك المقدر على تقدير آخر، ومنه قوله:
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى   
وذهب بعض المعربين أن { مَا كَانَ } بمعنى ما صح وأن في الكلام لاماً مقدرة لتأكيد النفي، والأصل ما كان هذا القرآن لأن يفترى كقوله تعالى:وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً } [التوبة: 122] و { أَنْ يُفْتَرَىٰ } خبر كان { وَمِن دُونِ ٱللَّهِ } خبر ثان وهو بيان للأول، أي ما صح ولا استقام أن يكون هذا القرآن المشحون بفنون الهدايات المستوجبة للاتباع التي من جملتها هاتيك الحجج البينة الناطقة بحقية التوحيد وبطلان الشرك صادراً من غير الله تعالى كيف كان، وقيل عليه ما قيل لكنه لا ينبغي العدول عما قاله في محل { مِن دُونِ ٱللَّهِ } وما ذكر في حاصل المعنى أمر مقبول كمالا يخفى، وجوز البدر / الدماميني أن تكون { كَانَ } تامة و { أَنْ يُفْتَرَىٰ } بدل اشتمال من { هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ } وتعقب بأنه لا يحسن قطعاً لأن ما وجد القرآن يوهم من أول الأمر نفي وجوده وأيضاً لا بد من الملابسة بين البدل والمبدل منه في بدل الاشتمال فيلزم أن يبتني الكلام على الملابسة بين القرآن العظيم والافتراء وفي التزام كل ما ترى، وأجيب عن ذلك بما لا أراه مثبتاً للحسن أصلاً، واقتصر بعضهم على اعتبار المصدر من غير تأويله باسم المفعول اعتباراً للمبالغة على حد ما قيل في زيد عدل، والظاهر عندي أن المبالغة حينئذٍ راجعة إلى النفي نظير ما قيل في قوله تعالى:وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } [آل عمران: 182] لا أن النفي راجع إلى المبالغة كما لا يخفى، ومن هنا يعلم ما في قول بعض المحققين: إن قول الزمخشري في بيان معنى الآية: ((وما صح وما استقام وكان محالاً أن يكون مثله في علو أمره وإعجازه مفترى)) ربما يشعر بأنه على حذف اللام إذ مجرد توسيط ـ كان ـ لا يفيد ذلك والتعبير بالمصدر لا تعلق له بتأكيد معنى النفي من النظر، ثم إنهم فيما رأينا لم يعتبروا المصدر هنا إلا نكرة، والمشهور اتفاق النحاة على أن أن والفعل المؤول بالمصدر معرفة ولذلك لا يخبر به عن النكرة، وكأنه مبني على ما قاله ابن جني في «الخاطريات» من أنه يكون نكرة وذكر أنه عرضه على أبـي علي فارتضاه.

السابقالتالي
2 3