الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

{ وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيّئَـٰتِ } أي الشرك والمعاصي، وهو مبتدأ بتقدير المضاف خبره قوله سبحانه: { جَزَآءُ سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا } والباء متعلقة بجزاء وهو مصدر المبني للمفعول لا اسم للعوض كما في بعض الأوجه الآتية / على ما قيل أي جزاء الذين كسبوا السيئات أن تجازى سيئة واحدة بسيئة مثلها على معنى عدم الزيادة بمقتضى العدل وإلا فلا مانع عن العفو بمقتضى الكرم لكن ذلك في غير الشرك ويجوز أن يكون (جزاء سيئة بمثلها) جملة من مبتدأ وخبر هي خبر المبتدأ وحينئذٍ لا حاجة إلى تقدير المضاف لكن العائد محذوف أي جزاء سيئة منهم بمثلها على حد ـ السمن منوان بدرهم ـ.

وأجاز أبو الفتح أن يكون (جزاء) مبتدأ محذوف الخبر أي لهم جزاء سيئة بمثلها وحذف لهم لقرينةلّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } [يونس: 26]والجملة خبر { ٱلَّذِينَ كَسَبُواْ } وحينئذٍ لا حاجة إلى تقدير عائد كما لا حاجة إلى تقدير مضاف، وجوز غير واحد أن يكون { ٱلَّذِينَ } عطفا علىلِّلَّذِينَ } [يونس:26] المجرور الذي هو مع جاره خبر و { جَزَآءُ سَيِّئَةٍ } معطوف علىٱلْحُسْنَىٰ } [يونس:26] الذي هو المبتدأ، وفي ذلك العطف على معمولي عاملين مختلفين وفيه مذاهب المنع مطلقاً وهو مذهب سيبويه والجواز مطلقاً وهو مذهب الفراء والتفصيل بين أن يتقدم المجرور نحو في الدار زيد والحجرة عمرو فيجوز أو لا فيمتنع، والمانعون يحملون نحو هذا المثال على إضمار الجار ويجعلونه مطرداً كقوله:
أكل امرىء تحسبين امرأ   ونار توقد بالليل ناراً
وقيل: هو مبتدأ والخبر جملة { مَّا لَهُمْ مّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ } أو { كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ } أو { أُوْلَٰـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } وما في البين اعتراض، وفي تعدد الاعتراض خلاف بين النحويين و { جَزَآءُ سَيِّئَةٍ } حينئذٍ مبتدأ و { بِمِثْلِهَا } متعلق به والخبر محذوف أي واقع أو { بِمِثْلِهَا } هو الخبر على أن الباء زائدة أو الجار والمجرور في موضع الخبر على أن الباء غير زائدة، والأولى تقدير المتعلق خاصاً كمقدر ويصح تقديره عاماً، والقول بأنه لا معنى له حاصل وهم ظاهر، وأياً ما كان لا دلالة في الآية على أن الزيادة هي الفضل دون الرؤية وقد علمت أن تفسيرها بذلك هو المأثور عن النبـي صلى الله عليه وسلم وجملة من السلف الصالح فلا ينبغي العدول عنه لما يتراءى منه خلافه لا سيما وقد أتى الإمام وغيره بدلائل جمة على أن المراد بها ذلك ولم يؤت بالآيتين على أسلوب واحد لمراعاة ما بين الفريقين من كمال التنائي والتباين، وإيراد الكسب للإيذان بأن ذلك إنما هو بسوء صنيعهم وجنايتهم على أنفسهم.

{ وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } أي هوان عظيم، فالتنوين هنا للتفخيم على عكس التنوين فيما قبل كما أشرنا إليه، وفي إسناد الرهق إلى أنفسهم دون وجوههم إيذان بأنها محيطة بهم غاشية لهم.

السابقالتالي
2 3