الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

{ وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي وما كان الناس كافة من أول الأمر إلا متفقين على الحق والتوحيد من غير اختلاف، وروي هذا عن ابن عباس والسدي ومجاهد والجبائي وأبـي مسلم، ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه { وما كان الناس إلا أمة واحدة على هدى } وذلك من عهد آدم عليه الصلاة والسلام إلى أن قتل قابيل هابيل، وقيل: إلى زمن إدريس عليه الصلاة والسلام، وقيل: إلى زمن نوح عليه الصلاة والسلام، وكانوا عشرة قرون، وقيل: كانوا كذلك في زمنه عليه الصلاة والسلام بعد أن لم يبق على الأرض من الكافرين ديار إلى أن ظهر بينهم الكفر، وقيل: من لدن إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى أن أظهر عمرو بن لحي عبادة الأصنام وهو المروي عن عطاء، وعليه فالمراد من { ٱلنَّاسِ } العرب خاصة وهو الأنسب بإيراد الآية الكريمة إثر حكاية ما حكى منهم من الهنات وتنزيه ساحة الكبرياء عن ذلك. / { فَٱخْتَلَفُواْ } بأن كفر بعضهم وثبت الآخرون على ما هم عليه فخالف كل من الفريقين الآخر، والفاء للتعقيب وهي لا تنافي امتداد زمان الاتفاق إذ المراد بيان وقوع الاختلاف عقيب انصرام مدة الاتفاق لا عقيب حدوثه.

{ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ } بتأخير القضاء بينهم أو العذاب الفاصل بينهم إلى يوم القيامة فإنه يوم الفصل والجزاء { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } عاجلاً { فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } بأن ينزل عليهم آيات ملجئة إلى اتباع الحق ورفع الاختلاف أو بأن يهلك المبطل ويبقى المحق، وصيغة الاستقبال لحكاية الحال الماضية والدلالة على الاستمرار. ووجه ارتباط الآية بما قبلها أنها كالتأكيد لما أشار إليه من أن التوحيد هو الدين الحق حيث أفادت أنه ملة قديمة اجتمعت عليها الأمم قاطبة وأن الشرك وفروعه جهالات ابتدعها الغواة خلافاً للجمهور وشقاً لعصا الجماعة، وقيل: وجه ذلك أنه سبحانه بين فيما قبل فساد القوم بعبادة الأصنام وبين في هذه أن هذا المذهب ليس مذهباً للعرب من أول الأمر بل كانوا على الدين الحق الخالي عن عبادة الأصنام وإنما حدثت فيهم عبادتها بتسويل الشياطين. قيل: والغرض من ذلك أن العرب إذا علموا أن ما هم عليه اليوم لم يكن من قبل فيهم وإنما حدث بعد أن لم يكن لم يتعصبوا لنصرته ولم يتأذوا من تزييفه وإبطاله. وعن الكلبـي أن معنى كونهم أمة واحدة اتفاقهم على الكفر وذلك في زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وروي مثله عن الحسن إلا أنه قال: كانوا كذلك من لدن وفاة آدم إلى زمن نوح عليهما السلام ثم آمن من آمن وبقي من بقي على الكفر.

وفائدة إيراد هذا الكلام في هذا المقام تسليته صلى الله عليه وسلم كأنه قيل: لا تطمع في أن يصير كل من تدعوه إلى الإيمان والتوحيد مجيباً لك قابلاً لدينك فإن الناس كلهم كانوا على الكفر وإنما حدث الإيمان في بعضهم بعد ذلك فكيف تطمع في اتفاق الكل عليه.

السابقالتالي
2 3 4