الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

{ وَلَوْ يُعَجّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ } هم الذين لا يرجون لقاء الله تعالى المذكورون في قوله سبحانه:إَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا } [يونس: 7] الخ، والآية متصلة بذلك دالة على استحقاقهم للعذاب وأنه سبحانه إنما يمهلهم استدراجاً وذكر المؤمنين وقع في البين تتميماً ومقابلة، وجىء بالناس بدل ضميرهم تفظيعاً للأمر.

وفي «إرشاد العقل السليم» إنما أوردوا باسم الجنس لما أن تعجيل الخير لهم ليس دائراً على وصفهم المذكور إذ ليس كل ذلك بطريق الاستدراج، والمراد لو يعجل الله تعالى لهم { ٱلشَّرَّ } الذي كانوا يستعجلون به تكذيباً واستهزاءاً فإنهم كانوا يقولون:ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً / مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ، [الأنفال: 32]وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [يونس: 48] ونحو ذلك. وأخرج ابن جرير وابن أبـي حاتم عن قتادة أنه قال: هو دعاء الرجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له، وأخرجا عن مجاهد أنه قال: هو قول الإنسان لولده وماله إذا غضب اللهم لا تبارك فيه اللهم العنه، وفيه حمل ـ الناس ـ على العموم والمختار الأول، ويؤيده ما قيل: من أن الآية نزلت في النضر بن الحرث حين قال:ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ } [الأنفال: 32] الخ.

وقوله سبحانه: { ٱسْتِعْجَالَهُم بِٱلْخَيْرِ } نصب على المصدرية، والأصل - على ما قال أبو البقاء ـ تعجيلاً مثل استعجالهم فحذف تعجيلاً وصفته المضافة وأقيم المضاف إليه مقامها. وفي «الكشاف» ((وضع { ٱسْتِعْجَالَهُم بِٱلْخَيْرِ } موضع تعجيله لهم [الخير] إشعاراً بسرعة إجابته سبحانه لهم وإسعافه بطلبتهم حتى كأن استعجالهم بالخير تعجيل لهم)) ((وهو كلام رصين يدل على دقة نظر صاحبه كما قال ابن المنير، إذ لا يكاد يوضع مصدر مؤكد مقارناً لغير فعله في الكتاب العزيز بدون مثل هذه الفائدة الجليلة، والنحاة يقولون في ذلك: أجري المصدر على فعل مقدر دل عليه المذكور ولا يزيدون عليه، وإذا راجع الفطن قريحته وناجى فكرته علم أنه إنما قرن بغير فعله لفائدة وهي في قوله تعالى:وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } [نوح: 17] التنبيه على نفوذ القدرة في المقدور وسرعة إمضاء حكمها حتى كأن إنبات الله تعالى لهم نفس نباتهم أي إذا وجد الإنبات وجد النبات حتماً حتى كأن أحدهما عين الآخر فقرن به)).

وقال الطيبـي: كان أصل الكلام ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله ثم وضع موضعه الاستعجال ثم نسب إليهم فقيل (استعجالهم بالخير) لأن المراد أن رحمته سبقت غضبه فأريد مزيد المبالغة وذلك أن استعجالهم الخير أسرع من تعجيل الله تعالى لهم ذلك فإن الإنسان خلق عجولاً والله تعالى صبور حليم يؤخر للمصالح الجمة التي لا يهتدي إليها عقل الإنسان ومع ذلك يسعفهم بطلبتهم ويسرع إجابتهم.

السابقالتالي
2 3