الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }

{ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ } عطف كما قال غير واحد علىأَنْ أَكُونَ } [يونس: 104] واعترض بأن { أَن } في المعطوف عليه مصدرية بلا كلام لعملها النصب والتي في جانب المعطوف لا يصح أن تكون كذلك لوقوع الأمر بعدها، وكذا لا يصح أن تكون مفسرة لعطفها على المصدرية ولأنه يلزم دخول الباء المقدرة عليها والمفسرة لا يدخل عليها ذلك، ودفع ذلك باختيار كونها مصدرية ووقوع الأمر بعدها لا يضر في ذلك، فقد نقل عن سيبويه أنه يجوز وصلها به، ولا فرق في صلة الموصول الحرفي بين الطلب والخبر لأنه إنما منع في الموصول الإسمي لأنه وضع للتوصل به إلى وصف المعارف بالجمل والجمل الطلبية لا تكون صفة، والمقصود من أن هذه يذكر بعدها ما يدل على المصدر الذي تأول به وهو يحصل بكل فعل، وكون تأويله يزيل معنى الأمر المقصود منه مدفوع بأنه يؤول كما أشرنا إليه فيما مر بالأمر بالإقامة إذ كما يؤخذ المصدر من المادة قد يؤخذ من الصيغة مع أنه لا حاجة إليه هنا لدلالة قوله تعالى:أُمِرْتُ } [يونس: 104] عليه، وفي «الفرائد» أنه يجوز أن يقدر وأوحى إليَّ أن أقم، وتعقبه الطيبـي بأن هذا سائغ إعراباً إلا أن في ذلك العطف فائدة معنوية وهي أن { وَأَنْ أَقِمْ } الخ كالتفسير ـلأن أكون } [يونس: 104] ـ الخ على أسلوب ـ أعجبني زيد وكرمه ـ داخل معه في حكم المأمور فلو قدر ذلك فات غرض التفسير وتكون الجملة مستقلة معطوفة على مثلها، وفيه تأمل لجواز أن تكون هذه الجملة مفسرة للجملة المعطوفة هي عليها، وقدر أبو حيان ذلك وزعم أن { أن } حينئذٍ يجوز أن تكون مصدرية وأن تكون مفسرة لأن في الفعل المقدر معنى القول دون حروفه وأنه على ذلك يزول قلق العطف ويكون الخطاب في { وَجْهَكَ } في محله، ورد بأن الجملة المفسرة لا يجوز حذفها، وأما صحة وقوع المصدرية فاعلاً أو مفعولاً فليس بلازم ولا قلق في العطف الذي عناه، وأمر الخطاب سهل لأنه لملاحظة المحكي والأمر المذكور معه.

وإقامة الوجه للدين كناية عن توجيه النفس بالكلية إلى عبادته تعالى والإعراض عمن سواه، فإن من أراد أن ينظر إلى شيء نظر استقصاء يقيم وجهه في مقابلته بحيث لا يلتفت يميناً ولا شمالاً إذ لو التفت بطلت المقابلة، والظاهر أن الوجه على هذا على ظاهره ويجوز أن يراد به الذات، والمراد اصرف ذاتك وكليتك للدين واجتهد بأداء الفرائض والانتهاء عن القبائح، فاللام صلة { أَقِمِ } وقيل: الوجه على ظاهره وإقامته توجيهه للقبلة أي استقبل القبلة ولا تلتفت إلى اليمين أو الشمال، فاللام للتعليل وليس بذاك، ومثله القول بأن ذلك كناية عن صرف العقل بالكلية إلى طلب الدين.

{ حَنِيفاً } أي مائلاً عن الأديان الباطلة، وهو حال إما من الوجه أو من الدين، وعلى الأول: تكون حالاً مؤكدة لأن إقامة الوجه تضمنت التوجه إلى الحق والإعراض عن الباطل، وعلى الثاني: قيل تكون حالاً منتقلة وفيه نظر، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في { أَقِمِ } { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } عطف على { أَقِمِ } داخل تحت الأمر وفيه تأكيد له أي لا تكونن منهم اعتقاداً ولا عملاً.