الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

{ دَعْوَاهُمْ } أي دعاؤهم وهو مبتدأ، وقوله تعالى شأنه: { فِيهَا } متعلق به، وقوله سبحانه: { سُبْحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ } خبره أي دعاؤهم هذا الكلام، والدعوى وإن اشتهرت بمعنى الادعاء لكنها وردت بما ذكرنا أيضاً، وكون الخبر من جنس الدعاء يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: " أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " والظاهر أن إطلاق الدعاء على ذلك مجاز وهو الذي يفهمه كلام ابن الأثير حيث قال: ((إنما سمى التهليل والتحميد والتمجيد دعاء لأنه بمنزلته في استيجاب ثواب الله تعالى وجزائه. وفي الحديث " إذا شغل عبدي ثناؤه عليَّ من مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " )) وجاءت بمعنى العبادة كما في قوله سبحانه:وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [مريم: 48] وجوز إرادته هنا والمراد نفي التكليف أي لا عبادة لهم غير هذا القول وليس ذلك بعبادة وإنما يلهمونه وينطقون به تلذذاً لا تكليفاً. ونظير ذلك قوله سبحانه:وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً } [الأنفال: 35] وفيه خفاء كما لا يخفى وقد يقال: يأتي نظير هذا في الآية على احتمال أن يراد بالدعوى الدعاء حقيقة فيكون المعنى على طرز ما قرر أنه لا سؤال لهم من الله تعالى سوى ذلك، ومن المعلوم أن ذلك ليس بسؤال فيفيد أنه لا سؤال لهم أصلاً.

والغرض من ذلك الإشارة إلى حصول جميع مقاصدهم بالفعل فليس بهم حاجة إلى سؤال شيء إلا أن فيه ما فيه ونصب ـ سبحان ـ على المصدرية لفعل محذوف وجوباً وهو بمعنى التسبيح. وقدرت الجملة اسمية أي إنا نسبحك تسبيحاً لأنها أبلغ والجمل التي بعدها كذلك، و { ٱللَّهُمَّ } بتقدير يا الله حذف حرف النداء وعوض عنه الميم وتمام الكلام فيه وفيما قبله قد تقدم لك فتذكر، وكان القياس تقديم الاسم الجليل لأن النداء يقدم على الدعاء لكنه استعمل في التسبيح كذلك قيل لأنه تنزيه عن جميع النقائص وفي النداء ربما يتوهم ترك الأدب.

{ وَتَحِيَّتُهُمْ } أي ما يحيون به { فِيهَا سَلَـٰمٌ } أي سلامتهم من كل مكروه، وهو خبر { تَحِيَّتُهُمْ } و { فِيهَا } متعلق بها، والتحية والتكرمة بالحال الجليلة وأصلها أحياك الله تعالى حياة طيبة، وإضافتها هنا إلى المفعول، والفاعل إما الله سبحانه أي تحية الله تعالى إياهم ذلك ويرشد إليه قوله عز وجل:سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ } [يۤس: 58] أو الملائكة عليهم السلام ويرشد إليه قوله سبحانه:وَالمَلَـٰئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سَلَـٰمٌ } [الرعد: 23]. / وجوز أن تكون الإضافة إلى الفاعل بتقدير مضاف أي تحية بعضهم بعضاً آخر ذلك.

السابقالتالي
2 3 4