الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

جملتا الشرط والجزاء معطوفتان بالواو على قوله: { وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ... } الآية، أو على ما عطف عليه وهو قوله: { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } ، وفي هذا وذاك سرد لما يعتذرون به في إعراضهم عن دعوة الإِسلام، ويتذرعون به إلى إصرارهم على الكفر وإخلادهم إلى العناد، فإذا دعاهم داعي الحق قالوا: { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } ، وإذا تليت عليهم آيات الكتاب ولوا معرضين حسدا من عند أنفسهم لأن أنزل على رجل من غير بني جنسهم بعد أن كانوا يستفتحون به على من حولهم من عبدة الأوثان، وإذا دعوا إلى الإِيمان بهذا المنزل من عند الله والنظر في براهينه والتأميل في إعجازه، وكونه غير مناف لما أنزل من قبل على موسى عليه السلام، بل هو مصدق له، قالوا حسبنا أن نتمسك بما في أيدينا فإنه منزل على نبينا، ولأجل هذا العناد المتسلسل في أحوالهم جاء القرآن بهذه المناقشة المستفيضة في هذه الآية وما بعدها لهتك أستارهم وتبديد معاذيرهم.

والمراد بما أنزل الله في الآية القرآن المنزل على محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، والتعبير عنه " بما أنزل الله " للحض على الايمان به وقطع عذر من أعرض عنه مهما جاء بالتعلات، وتعلق بالمعاذير فإنه ما دام منزلا من عند الله فالإِيمان به واجب على جميع عباد الله بقطع النظر عن حال من أنزل عليه من قرب النسب وبعده، ووجود الصلة به أو عدمها فإن الحق يجب التسليم له واتباعه والتزامه وقبوله ممن جاء به لأنه نجاة من اتبعه وعصمة من تمسك به.

ومرادهم: (بما أنزل عليهم) التوراة المنزلة على موسى، أو هي وما عززها مما أنزل على أنبياء بني إسرائيل من بعد موسى، فالإِنزال في حقيقته إنما هو على الأنبياء غير أنهم نسبوه إلى أنفسهم لأن الخطاب بالمنزل موجه إليهم، والمطالبة بالعمل به مخصوصة بهم.

ووجه التشبث بهذا العذر الواهي في الإِعتذار عن الإِيمان بما أنزل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن ما بأيديهم هو أيضا منزل من عند الله وهم في استغناء به عما في سواه.

وجيء بالمضارع في قوله تعالى: { وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ } مع أن الكفر واقع منهم قبل نزول الآية لمناسبة قولهم: { نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا } ، وللتصريح بما لوحوا إليه من أن إيمانهم بما أنزل اليهم يقتضي الكفر بما سواه، ولبيان حالهم التي هم دائمون عليها، والتعجيب منها.

والوراء هنا بمعنى السوى، وهو في الأصل اسم للجهة الخلفية مشتق من المواراة لأن الإِدبار يواري عن نظر المدبر ما كان خلفه، وذهب كثير إلى أنه من الألفاظ ذوات المعاني المتضادة، فهو يطلق على الأمام كما يطلق على الخلف، واستدلوا له بقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3