الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }

هذا انتقال من مواجهة بني إسرائيل بالإِنكار عليهم لما كان منهم من نقض الميثاق وتبديل أوامر الله إلى مواجهتهم بإنكار ما هو أفظع من ذلك، وهو مقابلة الرسل الذين بعثهم الله منهم وفيهم وإليهم بأنواع التحديات من بينها قتل بعضهم مع أن بعث الرسل داعية الارعواء عن الغي، والإِقلاع عن الإِثم، وسلوك المنهج السوي، وقد سبق ذكر إيتاء موسى الكتاب في صدر قصتهم في السورة، وإنما أعيد هنا مؤكدا بقد التحقيقية المقرونة بلام القسم ليكون توطئة لذكر المرسلين الذين جاءوا من بعده لتأكيد التمسك بالتوراة، واتباع شريعتها، والرجوع إلى حكمها، فإن جميع أنبياء بني اسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهما السلام ما جاءوا بشريعة مستقلة، ولا بكتاب جديد، وإنما جاؤوا مؤكدين شريعة موسى، ومبينين معاني التوراة التي عزت عن أفهامهم لتقادم العهد، أو لتراكم الجهل، والإِهمال الذي ينشأ عنه تلاشي نسخ التوراة حتى تجدد نزولها ثانية على أحد أولئك الرسل وهو عزير عليه السلام، وهذا لا ينافي إيتاء داود عليه السلام الزبور، فإن الزبور ليس كتاب شريعة وإنما هو كتاب موعظة.

والتقفية جعل أحد قافيا غيره أي تابعا له في جهة قفاه وهي مؤخرة العنق، يقال قفاه يقفوه قفْواً وقُفوَّا، فإذا أريدت تعديته إلى مفعولين ضُعِّف كما في الآية نحو قفى زيد عمرا خالدا أي جعلهُ قفاه، ويطلق على مجرد الاتباع حتى فيما ليست له قفاً حقيقة نحو قوله تعالى: { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } والمراد في الآية إرسال الرسل إثر موسى عليه السلام لتكون دعوتهم امتدادا لدعوته، ورسالتهم استمرارا لرسالته، وسماهم رسلا وإن لم يأتوا برسالة جديدة لأنهم مطالبون بالإِبلاغ، فلم يكن ما يوحى إليهم خاصا بهم فحسب حتى يحصروا في صفة النبوة، ولأن بيان ما خفى من مقاصد التوراة لقومهم، وتقويم نصوصها المحرفة في حكم رسالة جديدة جاءوا بها.

وعيس تعريب ليشوع أو يسوع قلبت حروفه في تعريبه تجنبا للثقل الناشئ عن ترتيب حروفه، فإن الشين ذاتها ثقيلة وقد توسطت حرفي علة واختتمت حروفه بالعين وهي من حروف الحلق, وبإهمال الشين وتقديم العين خف النطق به، ولم يعسر معه التنفس، وقد ساعد على ذلك حركات الحروف في ترتيبها المعرب، ومعناه بالعبرانية السيد أو المبارك.

وهو آخر أنبياء بني إسرائيل، وقد كانت ولادته في عهد الإِمبراطور الروماني أغسطس وكان ممثله في حكم الأرض المقدسة هيرودس، ووُلد بقرية تسمى بيت لحم.

ومريم أمه، وهو اسم أعجمي ليس له اشتقاق عربي، وما شاع من أن مريم وصف للمرأة المتباعدة عن محادثة النساء أو أنها التي تأنس بالرجال، كقول رؤبة:
قلت لزير لم تزره مريمه   ....................

السابقالتالي
2 3