الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } * { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

ما مضى كان بيانا للميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل في الواجبات العملية سواء ما كان منها حقا لله تعالى وحده أو حقا للعباد، وما هنا بيان للميثاق الذي أخذه عليهم في الواجبات التركية، وقد اختلف أسلوب البيانين، فأسلوب أولهما غيبي، وأسلوب آخرهما خطابي للتفنن وتعميم الفائدة والعبرة فيما مضى لاشتراك الأمم في تلك التكاليف، وقد مهد للعود إلى الأسلوب الخطابي المعهود في الآيات السوابق عند قصد بيان هتكهم الواجبات التركية بما اختتمت به الآية السابقة من الإِلتفات إليهم بقوله: { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } ، ومن فائدة هذا الانتقال بعث الشعور بالخطأ في نفوس المعاصرين منهم لنزول القرآن لأنهم المقصودون بالموعظة، وهم أجدر بالاعتبار بأحوال سالفيهم.

ولا داعي لتكرار القول في الميثاق، فهو كما تقدم. وقوله: { لاَ تَسْفِكُونَ } كقوله: { لاَ تَعْبُدُونَ } في وجوه الإِعراب، والقول في سفك الدماء سبق في قصة آدم.

وإضافة الدماء إلى ضمير السافكين - مع كون المنهي عنه سفك بعضهم دماء بعض إذ الفطرة تزع كل أحد أن يسفك دمه بيده - لما في هذا التعبير من فائدة إشعارهم بوجوب وحدة أمتهم حتى تكون كالجسد الواحد يتألم كله بإصابة عضو منه حتى يحس من حدثته نفسه بأن يقتل أحداً من أمته أنه لا يسفك إلا دمه، والخسارة تعود إليه كما تعود على سائر أفراد الأمة، وكثيرا ما يرد خطاب أمتنا بهذا الأسلوب في القرآن في تضمنه لأمر كقوله تعالى:فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } [النور: 61]، أو نهي كقوله:وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ } [البقرة: 188]، وهو خطاب تربوي يدفع بالمخاطب إلى الإِحساس بأنه عضو من أمة يتألم لألمها ويسر بسرورها، ونحو قوله: { وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ } [البقرة: 84]، وإذا كان الرباط الذي يوحد الأمة الإِسرائيلية نسبيا ودينيا لأنهم ينحدرون من سلالة واحدة، ومخاطبون بشريعة واحدة فإن الأمة الإِسلامية التي شرفت برسالة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وجعل الله لحمتها العقيدة لا النسب أولى بالحفاظ على هذه الوحدة والإِحساس بهذا الشعور فلا يتعرض أحد منها لأذى أي أحد من أفرادها، ولو وقع ذلك من أحدها فهو في حكم إيذاء نفسه وإيذاء أمته جميعا، وهو الذي عبر عنه القرآن بالأخوة في قوله تعالى:إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات: 10]، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " وقوله: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " وقال صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " وقال: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده "

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7