الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ }

ذكر صفات المنافقين:

بعدما ذكر الله تعالى فريق الكفار المصارحين بما تنطوي عليه نفوسهم من الضلال وما تغلي به صدورهم من عداوة الحق وأهله، عطف على قصتهم قصة فريق آخر، لا يقل عن ذلك الفريق خطورة على الاسلام وأهله، بل هو أشد منه خطرا، وأبلغ منه ضررا - كما سيأتي بيانه - وهو فريق يرتدي أردية الاسلام ليغطي بها خفايا الكفر وبواطن الضلال، وهذه الصفة سميت في العرف الشرعي بالنفاق.

وقصة المنافقين هنا جاءت في جمل متتابعة منتظمة في سلك من الآي، معطوفة على ما سبق وقد كان هذا العطف مثار اهتمام الباحثين من المفسرين وغيرهم، وقد ظل أكثرهم يتخبط في قيود الاشكال حتى جاء من أزاح الستار عن وجهه وكشف ما خفي من حقيقته، وهو العلامة جار الله الزمخشري، في تفسيره المشهور " الكشاف " فقد بين فيه أنه عطف قصة على قصة أخرى وكل واحدة من القصتين تحتوي على مجموعة من الجمل، وبهذا تندفع الحاجة إلى مناسبة للعطف كالتي تكون بين الجملتين إن عطفت إحداهما على الأخرى، وإنما يكفي في مثل هذا الموضع التناسب بين الغرضين من القصتين دون احاد الجمل الواقعة فيهما.

ولم تفصل هذه القصة عما قبلها كما في قوله تعالى: { إنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ.. } (الآية)، لأن الفصل هناك لأجل تطلع السامعين بعد ذكر فريق المؤمنين إلى خبر ذلك الفريق الآخر الذي ظاهر قوله عقيدته الضالة الفاسدة، فكان السامع كالسائل عنه، فجاء الفصل لاستئناف بيانه.

أما هذا الفريق فلالتوائه في معاملته وستره قبائح طواياه بمحاسن ظاهره، كان أغمض حالا وأندر وصفا، وأغرب تصورا، بحيث لا يخطر بالبال وجود مثله، فلم يكن داع إلى استئناف بيانه لأن السامعين - لفراغ بالهم منه - لم يكونوا يتطلعون إلى خبره، ومن ثم كان هذا العطف.

وقبل الكلام عن تفاصيل ما تحتويه الآية الكريمة جملة وإفرادا أرى من المناسب أن أذكر النفاق ومدلوله اللغوي والعرفي.

مدلول النفاق ومعناه:

أما لغة: فهو من نَفَّق اليربوع تنفيقا، ونافق نفاقا إذا دخل في نافقائه، وذلك أن لبيت اليربوع بابين؛ ظاهرا وخفيا، فإذا أراد أحد اصطياده وترصد له في بابه الظاهر، خرج من بابه الخفي، وفات المصطاد. ويسمى الظاهر قاصعاء، والخفي نافقاء. ويقال إذا خرج من النافقاء نَفِقَ - بكسر الفاء وفتحها - وانتَفَقَ ونَفَّق.

وأما اصطلاحا فهو الدخول في الاسلام من وجه والخروج عنه من وجه آخر، وهو بهذا المعنى اسم جديد جاء به القرآن ولم تكن العرب تعرفه في جاهليتها، وهو مأخوذ من المعنى اللغوي المتقدم.

فإن المنافق بصنيعه هذا يشبه اليربوع في مخادعته لمن يحاول اصطياده بدخوله من باب ظاهر وخروجه من باب خفي.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7