الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } * { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }

الكلام لا يزال في بني إسرائيل وإنما غالب ما تقدم خاص بعلمائهم الذين تلاعبوا بما أنزل الله على أنبيائهم تارة بتبديل النصوص، وأخرى بتحريف التأويل، والمعنيون هنا هم دهماؤهم الذين لم يفهموا من الكتاب شيئا وإنما تعلقوا بأماني سولت لهم بها أنفسهم مستندين إلى ما يتردد على ألسنة أحبارهم الأفاكين من كونهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودات، وأنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن آباءهم الأنبياء سيشفعون لهم عند الله فيرحمهم بحرمتهم.

وقيل: بأن الآية في نصارى العرب.

وقيل: في المجوس.

والقولان لا يتلاءمان مع السياق.

وروى ابن جرير بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله، ولا كتابا أنزله الله، فكتبوا كتابا بأيديهم ثم قالوا لقوم سفلة جهال هذا من عند الله، وقال قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله.

قال ابن جرير: وهذا التأويل تأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم، وذلك أن الأمي عند العرب هو الذي لا يكتب.

وذكر ابن كير أن في صحة هذا التأويل عن ابن عباس بهذا الإِسناد نظرا.

والأمي هو - كما قال ابن جرير - من لا يكتب منسوب إلى الأم لبقائه على الحالة التي ولدته عليها أمه، وقيل: منسوب إلى الأمة لأن هذه هي صفة جمهرة الناس عادة، وهذا كما يقال عامي نسبة إلى العامة.

ويعضد ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " وجاء وصفه صلى الله عليه وسلم بالأمية في القرآن، وبُين معناه في قوله تعالى:وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [العنكبوت: 48]، وهذه الصفة مدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره لأنها معدودة في معجزاته حيث أنزل الله عليه الكتاب فيه تبيان كل شيء وهو بهذه الحالة.

ومن الأقوال الشاذة ما روى عن أبي عبيدة من أنهم قيل لهم أميون لنزول الكتاب عليهم كأنهم نسبوا إلى أم الكتاب، فكأنه قال ومنهم أهل الكتاب لا يعلمون الكتاب، فإنه تأويل ينقض آخره أوله، وأشذ منه ما روي عن ابن عباس أنهم قيل انهم أميون لأنهم لم يصدقوا بأم الكتاب، فإن المعهود في النسب أن ينسب الشيء إلى ما لا بسه لا إلى ما باينه.

والأماني جمع أمنية، وأصلها أمنوية كأرجوحة فأدغمت الواو في الياء لتجانسهما فكسرت النون لتلائم الياء، وهي ما يتعلق به القلب مع عدم وجود وسائل إليه أو عدم تعاطي أسباب الوصول إليه، وأصلها منى بمعنى قدر، ومنه قول الشاعر:

السابقالتالي
2 3 4 5