الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } * { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }

هذه من القصص التي تصور لنا التعنت الإِسرائيلي البغيض وما وصلوا إليه من الاستخفاف بأحكام الله، ذكرت هنا وفي سورة الأعراف، وهي هناك أبين عبارة وأوضح دلالة، وذلك قوله تعالى:وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } [الأعراف: 163]، وقد خرجت عن اسلوب التذكير بالقصص السابقة التي قرنت بإذ المشيرة إلى زمن القصة مع اشعارهم بتحقق وقوعها ولم أجد من المفسرين من أشار إلى سبب هذه المخالفة في الأسلوب ما عدا الإِمام ابن عاشور الذي عد ذلك من وجوه إعجاز القرآن، وخلاصة ما قاله: أن هذه القصة تختلف عن سابقاتها لأن تلك ضمنتها كتب التوراة كسائر القصص المحكية بإذ، أما هذه فهي غير مسطورة في الأسفار القديمة، وإنما كانت معروفة لعلمائهم وأحبارهم، ذلك لأنها وقعت في زمن داود عليه السلام فأطلع الله تعالى عليها نبيه صلى الله عليه وسلم بعبارة تؤذن بأن العلم بها أخفى من العلم بالقصص الأخرى، إذ قال: { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ } فاسند الأمر فيها لعلمهم.

وخلاصتها أن اليهود امروا بتعظيم يوم السبت والتفرغ فيه للعبادة بترك الأعمال الدنيوية كلها، وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم أمروا بتعظيم الجمعة فعدلوا عنها إلى السبت، وعليه فإن الله تركهم وما اختاروه فكان ترك العمل في السبت مشروعا لهم، ومن بيت الأعمال التي فرض عليهم ترك صيد الحيتان، وكانوا في قرية على ضفَّة البحر وذكر ابن عاشور أنها أيلة بفتح الهمزة وبتاء التأنيث في آخره - وهي بلدة على خليج صغير من البحر الأحمر في أطراف مشارف الشام، وتعرف اليوم بالعقبة، وهي غير إيلياء التي هي بيت المقدس - فابتلاهم الله لسابق فسوقهم بأن كانت الحيتان تدنو من الساحل في السبت حتى تشرع خراطيمها إليه وتخفى في سائر الأيام لغوصها في عمق البحار، فصبروا على ذلك برهة، ثم أخذت طائفة منهم تتحايل على اصطيادها، فحفرت حفرا بالساحل وشقت إليها جداول من البحر فإذا مد البحر رمى بمائة وحيتانه في تلك الحفر فتبقى لها الحيتان مع الجزر غير قادرة على العود إلى البحر فإذا كان يوم الأحد أخذوها من تلك الحفر فأكلوها وباعوها في الأسواق.

ومنهم من كان يغرز خشبة بالساحل يشد إليها حيتانا يربطها بخيوط يوم السبت ثم يرسلها في البحر ويعود إليها يوم الأحد فيأخذها، وعندما رأوا إمهال الله إياهم اجترأوا فأخذوا يصيدون يوم السبت جهرة ويبيعون في الأسواق، فانقسم غير هذه الطائفة من بني إسرائيل إلى طائفتين، طائفة جاهرت بالإِنكار، وأخرى ساكتة عاذلة للمنكرين بدعوى أن الطائفة المنتهكة حقت عليها كلمة العذاب، فلا تجدي فيها الموعظة، وذلك ما حكاه الله في قوله:

السابقالتالي
2 3 4