الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُم مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

كانت الآية السابقة فيضا من أنس اللطف الإِلهي يغشى بالطمأنينة نفوسا زعزعها ما تقدم من قوارع الإِنكار والوعيد، وتبيانا لسببي النجاة من الهلكة، والعصمة من العذاب وهما الإِيمان الراسخ في النفس، وما يترجمه من العمل الصالح وليس في ذلك انقطاع عن الحديث الخاص ببني إسرائيل وتأنيبهم على ما اختاروه من الضلال وكفران النعم التي عُدِّدت في هذا السياق؛ وإن ذكر معهم من ذُكر من أصحاب الديانات الأخرى؛ ومن هنا أخذت الآيات تواصل عرض مساوئهم جامعة بين تهديدهم والامتنان عليهم بالأنعم التي كفروها فانقلبت عليهم نقمة ووبالا.

رفع الطور فوق رؤوس بني إسرائيل

وفي هاتين الآيتين إيماء إلى قصة ذكرت في سورة الأعراف بعبارة أوضح وبيان أوسع وذلك قوله تعالى:وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [الأعراف: 171]، كما أُشير إليها مرة أخرى في هذه السورة في الآية 93، وفيها ما يدل على أنهم وصلوا في التعنت وقسوة القلوب وانطماس البصائر إلى حد لا يكاد يُرجى معه انثناؤهم إلى الهدى.

وقد عُني المفسرون بشرح هذه القصة وبيان أسبابها، وهم متفقون - إلا من شذ من المتأخرين - أن الله اقتلع الطور من الأرض ورفعه فوق رؤوس بني إسرائيل تهديدا لهم حتى يذعنوا لما طُلب منهم، واختلفوا في سبب هذه الحادثة، فعن ابن زيد أن موسى عليه السلام عندما جاء بني إسرائيل بالألواح فيها كتاب الله عصت بنو إسرائيل أمره بقبول ما جاءهم به وقالوا من يأخذه بقولك أنت؟ لا والله حتى نرى الله جهرة حتى يطلع الله علينا فيقول هذا كتابي فخذوه، فما له لا يكلمنا كما كلمك أنت يا موسى، قال: فجاءت غضبة من الله فجاءتهم صاعقة فصعقتهم فماتوا أجمعون، قال: ثم أحياهم الله بعد موتهم، فقال لهم موسى خذوا كتاب الله، فقالوا: لا، قال: أي شيء أصابكم، قالوا: متنا ثم حيينا، قال: خذوا كتاب الله، قالوا: لا، فبعث ملائكته فنتقت الجبل فوقهم، فقيل لهم: أتعرفون هذا؟ قالوا: نعم، هذا الطور، قال: خذوا الكتاب، وإلا طرحناه عليكم. قال: فأخذوه بالميثاق.

وعن مجاهد أن ذلك كان عندما أُمروا أن يدخلوا الباب سجدا ويقولوا حطة.

ولم أجد أحدا من القدامى ينكر اقتلاع الجبل ورفعه أعلى الرؤوس كالسحاب، وهو بهذا آية كونية خارقة للمألوف عند الناس من أحوال الكون، ووافقهم على ذلك الإِمام محمد عبده مع ما عهد منه من تفسير الآيات الكونية بما يقرب من المألوف.

وذكر العلامة السيد رشيد رضا أن هذا هو المتبادر من الآية بمعونة السياق إلا أنه جوز أن يكون المراد بالرفع علو الجبل مع رسوخه في الأرض، لأن كل عال يوصف بأنه مرفوع ومرتفع ولو كان متصلا بالأرض، نحو

السابقالتالي
2 3 4 5