الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَٰيَٰكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }

هذا تذكير بنعمة كفروها فعادت عليهم محنة وبلاء بعدما كانت يسرا وعطاء، وهكذا تنقلب النعمة إذا لم تشكر، وقد أجملت هذه القصة في هاتين الآيتين كما أجملت في أيتي (161، 162) من سورة الأعراف لأنها كانت معلومة للمخاطبين، فلم يكن داع لشرحها لأن المقصود مجرد تذكيرهم بها، وفي هذا الإِجمال ما يكفي لأن يكون عبرة للمعتبرين.

ولم يتحد التعبير عنها هنا وفي سورة الأعراف، بل تجد تفاوتا في الموضعين في الترتيب، واختلافا في الألفاظ، وذلك لما سأبينه إن شاء الله هناك.

والقرية هي الأرض العامرة بالسكان المستقرة بأهلها، مأخوذة من قريت الماء بمعنى جمعته في الحوض، وسميت بذلك لجمعها بيوتا وأسواقا ومعابد ومصانع، وغيرها، من المباني التي تعد من معالم الحضارة، وضرورات المدنية، وفي هذا ما يدل على أن اسم القرية غير خاص بالمجامع الصغيرة للناس، بل يطلق عليها وعلى المدن ذات العمران الواسع، وما تعورف عليه من التفرقة بين المدينة والقرية بأن الأولى هي المجمع الواسع الذي يضم عددا أكبر من السكان ودورا أوسع في العمران، والثانية ما كان على العكس من ذلك هو اصطلاح ناشئ لا تحمل عليه عبارات القرآن، بل استعمال القرآن يدل على خلاف ذلك، فإن الله سبحانه عندما يذكر أهل القرى يريد بهم أولئك الجبارين الذين استعلوا على الخلق، وأنفوا من الحق، وكذبوا الرسل، وعاثوا في الأرض فسادا، وأذلوا الناس بالقهر، وقد وصفهم عموما بأنهم كانت لهم حضارات راقية، وقوى مكينة واسعة، فاسمعوا إن شئتم إلى قوله:أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا ٱلأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ } [الأنعام: 6]، وقوله:أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا } [الروم: 9]؛ وتجدون فيما وصف الله به عادا وثمود وقوم فرعون وغيرهم ما يدلكم على أنهم كانت لهم مدن واسعة مغرية بسعة عمرانها وكثرة سكانها، ومع ذلك فقد سماهم الله أهل القرى في مواضع من كتابه كالذي تجدونه في سورة هود بعد أن قص الله نبأ قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وأصحاب مدين وقوم لوط وفرعون وآله حيث قال:ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ } [هود: 100]، وقال:وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ } [هود: 102]، وحكى الله عن أبناء يعقوب قولهم:وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا } [يوسف: 82]، مع العلم بأنهم كانوا في بلدة، جمعت فيها خزائن الأرض، والتقت فيها القوافل، وتزاحمت بها الأقدام، وهذا مالا يكون عادة إلا في المدن الكبرى التي اصطلحوا على تسميتها عواصم وحكى عن المشركين قولهم:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7