الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَٱلْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

في هذه الآية تذكير لبني إسرائيل بنعمة سابغة تُعد أكبر نعمة بسطها الله لهم وأنعم بها عليهم لما فيها من صلاح الدين والدنيا وقوام أمر الفرد والمجتمع، وهي نعمة إنزال التوراة عليهم لتكون لهم هدى ونورا، تنتظم شمل جماعتهم، ويحتكمون اليها في منازعاتهم، ويستمدون منها الرشد والصلاح فيما يتعلق بالمعاش والمعاد، وحقيق أن تكون التوراة أكبر النعم التي أوتيها بنو إسرائيل، إذ لا يعرف في الكتب السماوية مما نزل قبلها أو بعدها ما هو أجمع منها حكما، وأوسع منها علما، وأعم منها نورا، إلا القرآن الذي أنزل الله هدى وذكرا للعالمين، فهيمن على كل ما أُنزل قبله، والامتنان بإنزال الكتاب على موسى لهداية قومه ذُكر هنا في معرض تعداد النعم المختلفة التي أسبغها الله عليهم لأنه حلقة من حلقات سلسلتها الطويلة، ولم يختلف المفسرون في كون المقصود بالكتاب التوراة الهادية الى أمر الله، والتي تعاقب عدد من النبيين على تجديد إبلاغ رسالتها، والحكم بمضمونها، كما قال تعالى: { إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ } ، وهي التي جعلتها بنو إسرائيل أعظم مفاخرهم التي يتطاولون بها على سائر الشعوب والأمم، وإنما اختلف أهل التفسير في المراد بالفرقان على مذاهب أنهاها أبو حيان في " البحر " إلى اثني عشر مذهبا، منها: أنه نفس التوراة وإنما أعيد ذكرها باسم آخر اعتبارا لمنشأ التسميتين، فهي كتاب باعتبارها مجموعة مكتوبة، وفرقان باعتبارها فارقة - أي مميزة - بين الحق والباطل، وهو قول الزجاج، واختاره الزمخشري، وبدأ بذكره ابن عطية، وعليه فالعطف للتغاير الحاصل بين مدلول الاسمين وإن كان مسماهما واحدا، واستدل لهذا القول بقول الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام   وليث الكتيبة في المزدحم
ورُدَّ بأن البيت فيه عطف صفات على صفة واحدة، وهي القرم مع وحدة الموصوف وهو الملك، فلا يجوز تخريج الآية عليه لما بينهما من الفارق، وأقرب من هذا البيت إلى الاستدلال لهذا القول قول الشاعر:
فألفى قولها كذبا ومينا...   
غير أنه يمتنع تخريج الآية عليه كذلك، لأن القرآن الكريم بلغ من فصاحة القول وبلاغة الكلام ما لم يبلغه شعر ولا نثر، فمن المستحيل أن يعطف فيه لفظ على آخر من غير اشتمال هذا العطف على فائدة لا تحصل دونه، والكذب والمين معناهما واحد، فجمعهما في البيت لا يعدو أن يكون حشوا لا يجوز إلصاقه بالتنزيل، وللشعراء مذاهب يتوسعون فيها بما لا يجوز نحوه في المنثور البليغ محافظة منهم على روى الشعر ووزنه، ومثل ذلك لا يجوز تخريج الأسلوب القرآني عليه.

ومنها أنه هو النصر لأن الله سمى يوم بدر " يوم الفرقان " ، وفي معناه قول من قال إنه الفرج، واستدل لذلك بقوله تعالى:

السابقالتالي
2