الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَٰلِمُونَ } * { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

بَدء في عرض سيئات بني إسرائيل ومقابلتهم النعمة بالكفران، والبرهان بالنكير والإِعراض، والدعوة الصادقة المؤيدة بالمعجزات بالسخرية والاستخفاف، وهكذا كان ديدنهم، فقد عانى منهم موسى عليه السلام الذي أكرمهم الله برسالته فكانت نجاتهم على يديه ما عاناه من الإِعنات والشقاق، وكانت نُذر الهلاك تحيط بهم من أمامهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ومن فوقهم ومن تحتهم، غير أنهم لا يكادون يرعوون عندما يواجهون الشدائد حتى يعودوا إلى غيهم وينقلبوا إلى نزعتهم البغيضة عندما يجدون أدنى متنفس ويبصرون أصغر ثغرة للفرج، فظل موسى عليه السلام بينهم في محنة وبلاء، وعنت وعناء، كما يتضح ذلك في هذه الآية من السورة وغيرها.

والمواعدة مفاعلة، وهي في الأصل لا تكون إلا من جانبين، وقد يعبر بها عما يكون من جانب واحد لما يكون في هذا التعبير من نكتة طريفة وظريفة، ومن هذا البابقَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ } [التوبة: 30]، وعاقبت اللص، وداويت المريض، وقد قرأ الجمهور هنا " واعدنا " لأن الوعد واقع من موسى لربه، كما أنه صادر عن الله تعالى إلى موسى، فكلاهما واعد وموعود، فالله وعد موسى أن يؤتيه الكتاب إذا جاء الى الميقات، وموسى وعد الله المجيء إلى الميقات، ويحتمل أن يكون ذلك من باب داويت المريض كما سبق قريبا، وهذه هي قراءة العشرة ما عدا أبا عمرو، وقرأ أبو عمرو - وهو من السبعة المشهورين - " وعدنا " بحذف الألف، وهي من الوعد، وهذه هي القراءة التي ارتضاها أبو عبيد وأنكر قراءة " واعدنا " وزعم أن المواعدة لا تكون إلا من البشر، أمَّا ما كان من الله فهو وعد نحووَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } الآية [النور: 55]،وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ } الآية [الأنفال: 7]،وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً } [الفتح: 20]، ووافقه على قوله أبو حاتم ومكي، وزعم أبو حاتم أن المواعدة أكثر ما تكون من المخلوقين المتكافئين، يعد كل منهما صاحبه؛ ولعمري إن هذه جرأة لم يصحبها تعقل من هؤلاء القائلين، فقد أنكروا ما تواتر نقله بالأسانيد الصحيحة المعتبرة من قراءة المعصوم عليه أفضل الصلاة والسلام، وتلقته عنه الأمة بالقبول والتسليم جيلا بعد جيل، وقرأ به أكثرها، فإن مما لا خفاء فيه تواتر القراءات السبع، وثبوت سندها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتقاد أي منها أو نكيره عدم مبالاة بالسلامة في الدين، وقد أجاد ابن جرير الطبري هنا في دفع شبه المعترضين على هذه القراءة مع ما عهد منه من انتقاد ما لا يستسيغه ذوقه من القراءات ولو تواتر.

وموسى هو نبي الله المرسل إلى فرعون وآله الذي أُنزلت عليه التوراة هدى لبني اسرائيل، واختلف في منشأ تسميته بذلك، وغالب ما قيل ليس له أساس من الصحة وإنما الذي تحتمل صحته هو أنه مركب من " مو " بمعنى الماء، " وشي " بمعنى المنقَد، أي مُنقذ الماء في اللغة العبرانية لأن أمه جعلته في التابوت فألقته في اليم كما ألهمها الله، وفصلته سورة القصص، فكان الماء سببا لإِنقاذه بأمر الله، وقيل (شي)، بمعنى الشجر لأنه التقط بين ماء وشجر في منتزه لأهل بيت فرعون فسمي بذلك، وعُرِّب بإهمال الشين المعجمة، وذكر الفخر وغيره من المفسرين أن نسبه موسى بن عمران بن يصهر بن قاهت ابن لاوي بن يعقوب عليه السلام، ولم تذكر التوراة إلا انه ابن عمران وأنه من سبط لاوي.

السابقالتالي
2 3 4 5