الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }

تفصيل لما أُجمل من قبل في قوله: { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم } وعطفه عليه عطف تفصيل على إجمال، وقد سيقت هذه القصة ببيان أوسع في القرآن المكي لأجل مخاطبته قوما لم يكونوا على عهد بالنبوات وليس في أيديهم شيء يتلونه مما أُنزل عليهم، فكانت توسعة بيانها من مقتضيات التخاطب مع أمثالهم لما فيها من العبر المختلفة والنذر المتعددة، وبها يزداد المؤمنون الذين يغذيهم القرآن بعلوم النبوات السابقة اتساع أفق ورسوخ قدم وقوة بصيرة.

أما بنو اسرائيل فلم يكونوا بحاجة إلى مثل ذلك البيان الواسع في تحديثهم بها لما استقر عندهم من أخبارها التي يتلونها في الكتاب ويتلقاها الأصاغر منهم عن الأكابر والأخلاف عن الأسلاف، فلذلك اكتُفى بهذا القدر لأن المراد به اشعارهم برد النعمة يلامس أبدانهم التي أرهقها سوء العذاب من فرعون وآله.

وقد كانت هذه النتجية على يدي موسى عليه السلام احدى معجزاته الظاهرة للعيان، فهي معجزة في نفسها لأنها كانت من عدو قاهر ومعجزة في كيفيتها لأنها كانت بطريقة لم تعهد من قبل.

وقد كانت غب ما أمرهم الله به من الخروج من مصر حالة استخفاء من فرعون وآله لئلا يحول بينهم وبين بغيتهم من الخروج، وقد كان ذلك أمرا إلهيا أوحاه الله إلى موسى عليه السلام وهو الذي يدل عليه قوله عز من قائل:وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ } [الشعراء: 52]، وقوله:وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً } [طه: 77]، وقوله:فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ } [الدخان: 22-23]، وهذا هو الذي اقتصر عليه جمهور المفسرين، وخالفهم بعض المتأخرين كالإِمام محمد عبده والسيد رشيد رضا، وتبعهما القاسمي في محاسن التأويل، فذهبوا إلى أن ذلك كان بإخراج بل طرد من فرعون بعد أن رأى ما رآه من الآيات التي كادت تُحلَّ به وبقومه البوار، وقد عولوا في رأيهم هذا على ما جاء في سفر الخروج من تأريخ التوراة " أن الله تعالى أنبأ موسى بأنه يقسي قلب فرعون فلا يخفف العذاب عن بني اسرائيل ولا يرسلهم مع موسى حتى يريه آياته، وأنه بعد الدعوة زاد ظلما وعتوا فأمر الذين كانوا يسخرون بني إسرائيل في الأعمال الشاقة بأن يزيدوا في القسوة عليهم وأن يمنعوهم التبن الذي كانوا يعطونهم إياه لعمل اللَّبِن، ويكلفوهم أن يجمعوا التبن ويعملوا كل ما كانوا يعملونه من اللبن لا يخفف عنهم منه شيء، فأعطى الله موسى وأخاه هارون الآيات البينات فحاول فرعون معارضتها بسحر السحرة، فلما آمن السحرة برب العالمين رب موسى وهارون لعلمهم أن ما جاء به ليس من السحر وإنما هو تأييد من الله تعالى ورأى ما رأى بعد ذلك من آيات الله لموسى سمح بخروج بني إسرائيل بل طردهم طردا ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8