الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ }

تحذير إثر التذكير بنعم الله سبحانه التي أسبغها على بني اسرائيل، وهذا لأن تلك النعمة - ومن بينها تفضيلهم على العالمين بما جعل فيهم من النبوات وأكرمهم به من خوارق العادات - كانت مصدر غرورهم، وسبب استهتارهم، فبدلا من أن يكونوا لها شاكرين كانوا بها كافرين، فلقد تلونت ضلالالتهم، وتنوعت مفاسدهم، وأصروا على غيهم، واستكبروا استكبارا، وزعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه فلن يمسهم عذابه، لأن شفقة الأبوة على البنوة ستقيهم شر الوعيد، ولئن مسهم العذاب فلن يكون ذلك إلا أياما معدودات، لأن آباءهم من النبيين الطاهرين لن يقر لهم قرار حتى يشفعوا لهم عند الله فيجيرهم مما هم فيه من العذاب، ولن يسكتوا عن أفلاذ أكبادهم وهم يصطلون السعير الدائم، إلى غير ذلك مما نسجته أخيلتهم المريضة من الهراء الذي ليس له حظ من الصدق، وفد جاءت هذه الآية قاطعة حبال هذه الأمنيات الباطلة والمطامع الفازعة، وقد أعيدت مع الفارق اليسير في التعبير في (123) من آيات هذه السورة، والآيتان الكريمتان كاشفتان لحال ذلك اليوم، فكل ما يغني في هذه الدنيا من الشفاعات والفدى لا يغني في ذلك اليوم شيئا، وقد جاء وصفه في معرض التحذير منه في آيات متعددة من سور مختلفة، من ذلك قوله سبحانه:وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [البقرة: 281]، وقوله:وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } [لقمان: 33]، وقوله:يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [عبس: 34-37]، وقوله:وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [الانفطار: 17-19]، واذا كان التحذير منه في هذه الآية ومثيلتها خاصا ببني إسرائيل، وفي سائر الآيات التي أوردناها شاملا لعموم الناس، فإن المؤمنين أيضا قد خصوا بالتحذير منه في قوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ } [البقرة: 254]، وهو دليل على أن ما ذكر من صفته ليس خاصا بأحد دون غيره أو طائفة دون أخرى من الناس، فجميع الناس تنحل يومئذ روابطهم النسبية والسببية وإنما تبقى رابطة واحدة فحسب تشد بعض أهلها الى بعض، وهي رابطة التقوى، يقول الله عز من قائل:فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [المؤمنون: 101]، ويقول:ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [الزخرف: 67]، وهو يعني أن لا جدوى إلا من التقوى، فلا أنساب ولا أسباب، ولا شفاعة ولا فدية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد