الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ }

أُسند القول فيما تقدم إلى الرب مضافا إلى الضمير المخاطب المقصود به الرسول صلوات الله وسلامه عليه لما في ذلك من التنبيه بأن مراد الله بهذا الاستخلاف تربية هذا الجنس المستخلف في هذه الأرض بما يمنحه من مواهب وينمي فيه من قدرات ويودع في تكونيه من طاقات حسية ومعنوية، وذلك مفهوم من لفظة الرب فإنها بمعنى المربي والمصلح كما تقدم في الفاتحة، وإضافته إلى ضمير الخطاب العائد إليه صلوات الله وسلامه عليه لما في ذلك من إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم بلغ أرفع رتبة يصل إليها أفراد هذا الجنس فإنه نال من التربية الإِلهية الظاهرة والباطنة ما لم ينله أحد من الخلق، وأحاطت به عنايته تعالى في كل شيء فخرج لهذا الوجود وقد اجتمعت فيه جميع صفات الكمال التي وهبها الله هذا الجنس الإِنساني من بين مخلوقاته.

وقد عُدل عن هذا الأسلوب هنا إلى أسلوب آخر حيث أُسند القول إلى ضمير المتكلم الآتي بصيغة الجمع لإِظهار عظمته، وهذا العدول مما يسمى في عرف علماء البلاغة بالالتفات، وقد سبق ذكره في سورة الفاتحة، وأنه يأتي لنكتة عامة وهي تطرية الكلام وتجديد نشاط سامعه، وقد تكون مع هذه النكتة نكت خاصة بحسب ملاءمات مقام الخطاب، والنكتة الخاصة هنا أن الأمر بسجود الملائكة لأدم معاكس لما كانوا يتصورونه من فضلهم عليه وأحقيتهم بالخلافة دونه، فكأنما أراد به تعالى تأديبهم بعد أن أظهر لهم مزيته، فلذلك حكى هذا الجانب من القصة بهذا الاسلوب، وفي هذا السجود ما يشبه الاعتذار منهم إليه مما قالوه في شأنه.

قصة الأمر بالسجود لآدم

والعطف هنا من باب عطف القصة على القصة كما تقدم، وما قيل في " إذ " هناك قيل هنا، وإعادتها بعد العاطف المغنى عن إعادة الظرف للتنبيه على أن هذه القصة مقصودة بذاتها، فكانت حرية بالاستقلال والاهتمام، ومن هنا لم تُعطف بالفاء الدالة على الترتيب والتفريع مع أن هذه القصة متفرعة عن سابقتها غير أن مراعاة استقلالها والعناية بها كانت أولى من مراعات التفرع المذكور، ويتضح لكم مما ذكرته من أن هذه القصة متفرعة عن سابقتها أن الأمر بالسجود كان على أثر ظهور مزية آدم بعلمه الأسماء وتعليمه إياها للملائكة، وذهب الفخر الرازي إلى أن الأمر بالسجود سابق على تلك المقاولة المتعلقة بالأسماء لقوله تعالى:وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } [الحجر: 28 - 29]، وقوله:إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد